قضايا وآراء

أوهام الهند لاستعادة التوازن بين الحقيقة والخيال

حازم عياد
1300x600
1300x600

 خبر اقتراب غواصة هندية من المياه الإقليمية الباكستانية اختفى بنفس السرعة التي ظهر فيها؛ إذ جاء على شكل ومضة نقلها موقع إخباري على حسابه في تويتر تحت عنوان المحيط الهندي الإخباري (Indo- Pacific News).

الحساب الذي تلاشى مع الخبر عاد مجددا ولكن بدون الخبر؛ فالموقع يعرف نفسه بأنه يتابع التهديدات الصينية تحديدا في المحيط الهندي؛ وبالتأكيد فإنه غير معني بكشف النشاطات العسكرية الهندية قبالة المياه الإقليمية الباكستانية؛ إذ لايقع الأمر في صلب اهتماماته؛ فما سر ظهور الغواصة الهندية واختفائها على حساب الموقع ومن ثم اختفائها في بحر الإنترنت ومواقعه الإخبارية.

الخبر الخاطف؛ جاء بعد مرور ما يقارب الـ 15 يوما على إعلان كل من إسلام أباد وأنقرة توقيع عقد صيانة وتجديد لأسطول الغواصات الباكستاني؛ مستبعدا بذلك البلد الصانعة فرنسا؛ فإسلام أباد فضلت تركيا لتحديث أسطول غواصاتها الحربية وباتت أقرب لأنقرة في تحديث ترسانتها العسكرية.

التطور الحاصل في العلاقات الباكستانية ـ التركية تجلى في العديد من الساحات؛إاذ أعلن الأسبوع الفائت عن مشاركة باكستان في المناورات العسكرية التركية الأذرية تحت مسمى (الأشقاء الثلاثة)؛ استبقه نشاط محموم لنيودلهي في البحر المتوسط والمنطقة العربية في محاولة لمحاصرة خصومها في إسلام أباد وأنقرة وبكين؛ فهواجس نيودلهي تعاظمت بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

الهند كانت سباقة في تطوير علاقاتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي خلال الثلاثين عاما الماضية؛ غير أن الأشهر الأخيرة شهدت نشاطا لافتا ومقلقا؛ إذ أعلن لأول مرة عن مناورات جوية بين سلاح الجو الإسرائيلي والهندي في شباط (فبراير) من العام الحالي؛ مناورات روتينية تجري في الأجواء الهندية كشف عنها للمرة الأولى هذا العام.

تكرر الأمر بداية الأسبوع الحالي الأحد 17 تشرين الأول (أكتوبر) بمشاركة سلاح الجو الهندي في مناورات (العلم الأزرق) في الأجواء الفلسطينية وبمشاركة فرنسية وألمانية وإيطالية وأمريكية ويونانية تنتهي بوم الخميس الموافق 28 تشرين أول (أكتوبر) الحالي.

نشاط الهند لم يقتصر على الكيان الإسرائيلي وسلاح الجو؛ فالقطع البحرية الهندية شاركت في مناورات مع البحرية اليونانية تموز (يوليو) الفائت مقتربة من تركيا ومصالحها الحيوية شرق المتوسط.

الهند التي دخلت في حالة من الصدمة أعقاب انهيار حكومة كابول وتولي حركة طالبان الحكم قبل شهرين عادت واستجمعت قواها؛ من خلال المناورات العسكرية والنشاط الدبلوماسي فبعد أيام قليلة على الاجتماع الافتراضي الذي جمع وزير الخارجية الهندي (سوبرأمنيام جاي شانكار) بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكين والإسرائيلي يائير لابيد والإماراتي عبد الله بن زايد في واشنطن؛ بادر وزير الخارجية الهندي بزيارة الكيان الإسرائيلي موجها دعوة لرئيس وزراء الكيان نفتالي بينت لزيارة الهند ولقاء نظيره ناريندرا مودي في نيودلهي.

زيارة وزير الخارجية الهندي استثنائية؛ لتزامنها مع انطلاق مناورات العلم الأزرق التي تشارك فيها الهند وتمتد لخمسة أيام ما يعني أن الوزير سيلتقي بأغلب المسؤولين في الكيان الإسرائيلي؛ ما سمح لبعض المراقبين للإعلان عن امكانية انعقاد قمة جديدة في الإمارات العربية على هامش معرض (أكسبو) تجمع وزراء خارجية الهند والإمارات العربية وأمريكا؛ ما يعطي الجهود الأمريكية لإنشاء تحالف وتجمع إقليمي تقوده إسرائيل بالتعاون مع الهند قدرا كبيرا من الجدية وبغطاء عربي إماراتي.

 

رغم أهمية الإمارات العربية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة؛ إلا أنها لا توفر المظلة العربية والإقليمية الكافية لهذا النشاط الهندي الإسرائيلي الأمريكي المشبوه؛ فالإمارات العربية لن تعطي المشروعية لهذا النشاط والتجمع الجديد دون مشاركة من الرياض؛

 



أمريكا برعايتها لهذه اللقاءات تبحث عن وسيلة لملء الفراغ الناجم عن انسحابها من أفغانستان الذي سيتبعه تخفيض حضورها العسكري في العراق؛ الأمر الذي سينعكس بدروه على نشاطها العسكري في سوريا؛ فالاستعانة بالهند والكيان الإسرائيلي وبغطاء عربي مسألة باتت حيوية للولايات المتحدة الأمريكية لحماية نفوذها المتآكل.

رغم أهمية الإمارات العربية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة؛ إلا أنها لا توفر المظلة العربية والإقليمية الكافية لهذا النشاط الهندي الإسرائيلي الأمريكي المشبوه؛ فالإمارات العربية لن تعطي المشروعية لهذا النشاط والتجمع الجديد دون مشاركة من الرياض؛ ما دفع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لزيارة المملكة السعودية مقترحا انضمام الرياض لاتفاقات أبراهام التطبيعية؛ مسألة تحفظت عليها القيادة السعودية ووضعت العديد من الشروط والقيود من ضمنها تطوير العلاقة الأمريكية السعودية والالتزام بمبادرة السلام العربية.

 الرياض تبقى العائق الأساس أمام الاستراتيجية الأمريكية في المرحلة الحالية؛ فالتحفظات السعودية وإن ارتبطت بضرورة تحسين العلاقات الأمريكية السعودية؛ إلا أنها تتعامل بحساسية شديدة مع الملف لتداعياته السلبية المحتملة على العلاقات السعودية الباكستانية؛ بل وعلى العلاقة التي تسعى الرياض لتطويرها مع أنقرة مستقبلا؛ كما أن الرياض لم تعد تخفي شكوكها بفاعلية الاستراتجية الأمريكية ومصداقيتها بعد الانسحاب من أفغانستان وجهودها لإحياء الاتفاق النووي مع طهران؛ أمر أسهم في تسريع الحوار بين الرياض وطهران ودفعها للانفتاح على موسكو وبكين في الآن ذاته.

ختاما .. الجهود التي تبذلها نيودلهي لاستعاة توازنها بعد سيطرة طالبان على الحكم في كابول وهزيمة شركائها وحلفائها في وادي بانجشير أقرب للوهم منها للحقيقة؛ فالاستراتيجية الهندية تعاني من القصور الذاتي الناجم عن العلاقة المتوترة بين نظام اليمين الذي يقوده حزب بهاراتا جانتا الهندوسي المتطرف وزعيمه مودي بالمسلمين في ولاية أسام؛ واعتداءاتها المتكررة على حقوق المسلمين في كشمير المحتلة؛ والأهم غياب القاطرة السعودية والإيرانية؛ فالدولتان معنيتان بعلاقات إيجابية مع إسلام آباد الأمر الذي أمكن ملاحظته بعد زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري لإسلام إباد ولقائه نظيره الباكستاني قمر جافيد باجوا.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)