قضايا وآراء

رؤية استراتيجية في تغير قيادة الإخوان بتركيا

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
مصداقا لقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" (آل عمران)، وقوله تعالى: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (العصر)، "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة)، "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ" (الأنفال)، وعملا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" (رواه البخاري ومسلم)، وجب علينا الصبر والمصابرة والمرابطة والتعاون والتكامل والإعداد والنصح في مشروعنا لمقاومة الظلم والاستبداد، والتحرر وولوج طريق الحرية والتنمية والكرامة.

الهدف النظري والعملي من المقال:

1- تعزيز وعي الجماعة قيادة وأفرادا بطبيعة المرحلة وتحدياتها وأهدافها، وأهمية استثمار فرصة التغيير القيادي الذي تم بعد ثمانية أعوام عجاف من استبداد وجمود وضعف القيادة السابقة للإخوان.

2- تعزيز اللحمة الداخلية، والمشاركة بين القيادة والأعضاء في صناعة قرارات وإدارة الجماعة في هذه المحطة التاريخية الصعبة.

3- توجيه البوصلة والاهتمام والعمل نحو المستقبل.

4- امتلاك خارطة طريق عملية قابلة للتنفيذ في حدود الممكنات والواقع العام المتاح، يمكن الاستناد إليها كحد أدنى، أو الإضافة عليها.

ماذا نعني برؤية استراتيجية؟

من خلال النظر للتغير القيادي في سياقه العام:

1- كون الإخوان المسلمين هم الوريث المتبقي والقلب المحرك للمشروع الإصلاحي العربي الإسلامي، الذي بدأه الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وابن باديس وحسن البنا ومالك بن نبي وجاسم سلطان، ونعمل على تطويره وإتمامه إن شاء الله.

2- تأتي أهمية هذا التغيير ليس في أشخاص التغيير، وإنما في قدر وتاريخ والآمال المعقودة على جماعة الإخوان المسلمين، وفي عظم التحدي والصراع القائم مع الاستبداد بوجهه الاستعماري العسكري الأجنبي، وقناعه العسكري المحلي القائم منذ قرن ونصف من الزمان، بالإضافة إلى فراغ الساحة المصرية والعربية من أية تنظيمات اجتماعية أو سياسية أخرى؛ ما زالت قائمة وصامدة مثل الإخوان المسلمين، وقادرة على إعادة الإحياء المجتمعي والثوري وتحقيق تحولات اجتماعية وسياسية ممكنة.

3- بالرغم من محدودية التغيير القيادي الذي جرى في دولتين فقط، إلا أن أهميته تكمن في أنه تم في الأماكن الأساسية لتجمع وتمركز الإخوان في المهجر الآن، ونتمنى له النجاح والامتداد في بقية الأقطار العربية والأجنبية التي هاجر إليها إخوان مصر.

4- أن هذا التغيير جاء بعد الانشقاق وتفريغ الجماعة من الخبراء والكفاءات والتجميد، وحرق صورتها التاريخية الناصعة، بل ومحاولة مسخ الشخصية الإخوانية والمتدينة عامة.

5- عبر التوجيه الإلهي لأصحاب الدعوة ورسالة الإصلاح الحقيقيين بألا يهنوا أبدا، ولا يحزنوا أبدا، ولا ييأسوا أبدا، ولا يتوقفوا عن العمل أبدا، يخطئون ثم يصوبون، يضعفون ثم يتقون، يقعون ثم يقفون، سنقف ونتحد ونتقوى ونعمل.

6- في سياق الصراع العالمي الكائن بين أمريكا والصين، وتداعياته على تحول الاهتمام الأمريكي نسبيا نحو وسط وجنوب آسيا، ورفع غطاء الدعم النسبي عن النظم الاستبدادية في المنطقة ومنها النظام المصري، ووجود فرصة جيدة لتحرك الحركات الإصلاحية وتحقيق مكاسب حقيقية على الأرض.

حجم ونوع التغير القيادي الذي حدث في جماعة الإخوان المسلمين

الحديث عن التغيير القيادي في مكتبين فقط من دول المهجر التي يتجمع فيها الإخوان المصريون، وليس عن مكتب الإرشاد وقيادة الجماعة ككل، على مستوى مصر أو ما يسمى بمكتب التنسيق العالمي للإخوان. فمستوى التناول خاص بهذا المستوى من القيادة، وما يمكن أن تقوم به في حدود المتاح والممكن، ولكل حديث أهله ووقته.

ما تعرضت له الجماعة في مصر فرض حديث الخبراء عن ثورة كبيرة لازمة داخل مؤسسة الإخوان، على مستوى عالم الأفكار والأيديولوجيا الحاكمة لعقول وتفكير الجماعة، والهياكل التنظيمية، ونظام ومعايير اختيار ومتابعة ومحاسبة القيادة، وثورة كبيرة على الثقافة الخاصة الموروثة للمؤسسة المتعلقة بتقديس الأشخاص وتجريم النقد وآلية صناعة القرار، والعلاقة بالعالم والمجتمع.. إلخ.

بالتأكيد هذا مطلوب، وفي رأيي أنه صعب التحقق داخل التنظيمات الدينية، وخاصة الإخوان المسلمين، ولا سيما في هذه المرحلة التي تمر بها، وبحسب نوع ومستوى القيادة المتوفرة حاليا، وحالة الفراغ والتجريف الفكري التي واجهها المفكرون والباحثون داخل الجماعة.

لذلك؛ فالحديث مركّز في حدود تغيير جزئي في قيادة الإخوان، في مكتبين مهمين هما تركيا وقطر، والفريقان المنتخبان اللذان ينتميان إلى فئة المسؤولين التنفيذيين هم أبناء المرحلة السابقة؛ تربوا فيها ونشؤوا فيها وورثوا ثقافتها، وكانوا جزءا من صناعة الأزمة الحالية، وليسوا من أهل الفكر والتخطيط أو من القيادات الكبيرة المشهود لها بإنتاج فكري ما أو إنجازات إصلاحية ما، مما يدعونا إلى الكثير من الموضوعية والواقعية في أثناء البحث في كيفية استثمار الفرصة في حدود ما هو متاح من قيادات، وواقع تعيشه الجماعة من انقسام وتجريف للكفاءات وضعف عام، لذلك فنحن نحتاج تحديدا إلى:

أ- نظرية عمل واقعية وعملية قابلة للتطبيق، تساهم في تحقيق حالة نجاح جزئي متدرج يتم العمل على تعميمه وتنميته وتطويره.

ب- ترسيخ مبادئ ونظم العمل المؤسسي الصحيح لوضع الجماعة على طريق العمل الصحيح، ويتم تطويره باستمرار، مع فتح المجال أمام القدرات البشرية الإخوانية للتقدم وتقديم ما لديها في مناخ عام مفتوح وشفاف.

ج- نقلة نوعية في وعي الأفراد في ضرورة المشاركة في القيادة، والإعلان عن نهاية عهد التفويض المطلق للقيادة.

د- توعية وتاهيل هذه القيادة والأخذ بيدها ودفعها للنجاح، ووضعها تحت المتابعة الدقيقة وفق معايير نظام مؤسسي ومبادئ وأداء وإنجاز يجب الالتزام بها، أو تعرضها للمحاسبة وسحب الثقة والتغيير، فلا بقاء إلا للأصلح، مع الإعلان عن نهاية عصر صناعة الأصنام البشرية وتقديسها.

بالتأكيد نحن أمام فرصة أولى يجب التعاون والعمل على إنجاحها بالإيجابية والمشاركة والعمل الحقيقي، وبعد كل ذلك الدعاء.

والثورة الحقيقية التي يمكن أن تتحقق هي في المنهج الجديد لتعامل الأفراد مع القيادة بوعي ومشاركة ومتابعة، وبناء على ذلك إما تعزيز وتجديد الثقة في القيادة، أو سحب الثقة وانتخاب قيادة بديلة، وهذه الثورة هي التي ستحدث ثورة في الأفكار والهيكل ونظام القيادة والعمل والإنجاز.

واجب المرحلة على أعضاء الإخوان ومجلس الشورى العام

بالتأكيد يجب على أعضاء مجلس الشورى العام، الذين فرضت اللائحة عدم مشاركتهم في انتخابات المكاتب؛ أن يتم تفريغهم للقيام بمهمتهم في توجيه وإدارة المشهد نحو التغيير والإصلاح، خاصة في مثل هذه المحطة الصعبة.

والمهمة الكبيرة هي على عموم أعضاء الإخوان، الذين قاسوا مراراة التهميش والتجهييل والتغييب لسنوات ثمان متتالية من قبل القيادة السابقة؛ عليهم جميعا تحمل مسؤوليتهم في مشاركة إخوانهم نجاح التجربة من خلال:

أولا: المشاركة في صناعة القرار.

ثانيا: تعزيز الوعي الجمعي بالانفتاح على الأفكار الإصلاحية، والمطالبة بدمجها في العمل لتحقيق التغيير والتطور المنشود.

ثالثا: مراقبة أداء القيادة الجديدة، والتعاطي معها بالدعم أو النصح والتوجيه، أو الخلع والاستبدال عند الانغلاق والضعف والاستمرار على النهج القديم نفسه.

رابعا: التخلي عن الهروب المنظم والمغلف بفلسفة الصمت والعزلة، وتجنب الفتنة، وتقديم النصح والإعذار إلى الله تعالى فقط، وتبني الإيجابية والتعاون والوحدة والاحتشاد لدعم النجاح والوحدة، والاحتشاد للتخلص من الانغلاق والجمود والضعف.

فكما أن طاعة القيادة عبادة، إذا كانت تجيد وتحسن العمل، فإن الوحدة والاحتشاد والخروج عليها واستبدالها، عبادة واجبة إن كانت مصرة على الانغلاق والاستبداد والضعف وتضييع فرص الإصلاح، واستعادة الجماعة لقوتها وحيويتها وفاعليتها، وتعزيز قدرتها على الحضور العام وتحرير معتقليها.

في المقال التالي نتناول:

1- أسباب ودلالات هذا التغيير وكيفية التعاطي معه.

2- تقدير موقف استراتيجي لجماعة الإخوان (أيلول/ سبتمبر 2021م).

3- خريطة طريق مقترحة للمكاتب الجديدة.

4- منظومة قيم وثقافة جديدة للإخوان المسلمين للخروج من الأزمة والعودة للمجتمع.

5- محاذير ومخاطر المرحلة.

6- ماذا بعد؟ خريطة طريق تعامل الأفراد مع القيادة الجديدة.
التعليقات (1)
جزاك الله خيراً
الإثنين، 18-10-2021 02:35 م
حسب متابعتي كقارئ مهتم من خارج الإطار، أعتبر الكاتب الكريم مرجعاً ومستشاراً يجب أن تستفيد منه جماعة الإخوان لموضوعيته وحرصه عليها وعلى المصلحة العامة وفكره الثاقب. ولا بد أن تنتهز الجماعة هذه الفرصة، أعني فرصة المحنة الممتدة منذ ثماني سنوات، لتكون لها هيئة استشارية-مشارِكة أيا كانت الصفة التي تُسنَد إليها، وتضم هذه الفئة كلاً من: السادة: إبراهيم الديب، وجمال عبد الستار، وعصام عبد الشافي، والقطب العربي، ووائل قنديل، وعمر العياصرة، ومحمد الشنقيطي، وأستاذ جامعة مصري يعمل في أمريكا وفي قطر حالياً لا أذكر اسمه. هذه الأسماء التي تحضرني ولن يندم الإخوان الاستعانة بآراء هؤلاء ومشورتهم الثاقبة.