قضايا وآراء

طالبان.. تحديات وفرص ما بعد الانتصار

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
فرض انتصار حركة طالبان الأفغانية على قوات التحالف الدولي المكوّن من 38 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والإعلان عن تشكيلة حكومتها أخيراً، تحديات جديدة ومتنوعة على الحكم الأفغاني المقبل. وتراوحت هذه التحديات بين داخلية وأخرى خارجية، فلحظة الانتشاء والفرح بالنصر على القوة الأعظم في العصر الحديث، وربما في التاريخ البشري، سريعاً ما تلاشت، لتواجه الحركة تحديات حقيقية في حكم أكثر من أربعين مليون شخص وإدارتهم.

فطالبان الجديدة اليوم تواجه أيضاً أفغانستان الجديدة التي تغيرت كثيراً، وعلى رأس هذا التغير عدد الطلبة في الجامعات المتعددة الذين بلغوا حوالي 170 ألف طالب وطالبة مسجلين هذا العام، بالإضافة إلى انتشار الإنترنت، واستخدام أكثر من 22 مليون أفغاني لأجهزة الموبايل، فضلاً عن ميزانية دولة تعتمد أكثر من 75 في المئة منها على المنح والمساعدات الأجنبية، كل ذلك لم يكن موجوداً يوم سقطت الحركة عام 2001.

لقد أبرز التحدي الداخلي الذي تواجهه الحركة، كأي دولة خارجة من حرب، الجروحَ الاجتماعية الغائرة في الجسد الأفغاني، وهذا بحاجة إلى حكمة وعفو وصفح، فهو العلاج والدواء الوحيد لالتئامها، ولعل الحركة، بالعفو العام الذي أصدرته على كل من عمل مع قوات التحالف الدولي، قد سلكت طريق المصالحة الاجتماعية الحقيقية، بل وألحقته بالدخول في مفاوضات مع من كان سبباً في جلب قوات الاحتلال، كحال الرئيس السابق حامد كرزاي. بيد أن هذا التحدي تكمن معالجته في تشكيل حكومة ترضي الداخل الأفغاني وموزاييكه، وهو تحد إن تجاوزته الحركة سيذلل لها صعوبات التحدي الخارجي، فالسلام في الداخل يؤدي للسلام في الخارج.

وفي تضاعيف التحدي الداخلي تأتي تحديات كثيرة أيضاً، وعلى رأسها لوبي الضغط الإعلامي الداخلي والخارجي المعادي للحركة، ومعه قضية حقوق المرأة، وقد تجسّد بخروج بعض النساء في تظاهرات يطالبن بحقوقهن، بينما رأينا الصمت الذي لفّ المرأة أيام الاحتلال الأمريكي، الذي كسرته أخيراً سيدات تحدثن إلى موقع بي بي سي باللغة الإنجليزية عن حالات اغتصاب واعتداء جنسي وابتزاز، قام بها بعض المسؤولين الحكوميين السابقين، بمن فيهم وزارء متنفذون وشخصيات مقربة من آخر رئيس أشرف غني، وذلك داخل القصر الرئاسي. وحين سألت مراسلة بي بي سي: لماذا لم تتجهن إلى مراكز الشرطة أو للقضاء لتسجيل شكوى؟ أجابت إحداهن: "سيطلبون منك تماماً كما طلب منك الوزير والمسؤول في القصر"، فأجهزة الدولة كلها فاسدة.

لقد تجاوزت طالبان تحدي تمرد أحمد مسعود، نجل القائد الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، الذي فرضه عليها عقب وصولها إلى كابول، فتمكنت سريعاً من حسمه بعد أن عرضت عليه الصلح، ولكن حين أصرّ على القتال أرسلت إليه مقاتلوها، فسيطروا على الوادي الذي طالما استعصى على الاحتلال السوفييتي وما بعده، وحتى خلال سيطرتها على كابول عام 1996.

ويبرز أمامها تحدّ من نوع آخر، هو تحدي تنظيم الدولة (داعش)، وظهر بوضوح في التفجير الانتحاري في مطار كابول. ويبدو أن هذا التنظيم الذي يحظى ببعض الوجود في أفغانستان، وهو وجود سري خفي، قد يشكل بعض التهديد في المستقبل على الحكم الجديد، لكن البيئة والحاضنة الأفغانية المتماسكة طاردة للأفكار التطرفية.

نجحت طالبان في تفشيل رهانين ربما راهنت عليهما القوى الدولية والإقليمية المعادية لها، وهما رهان حمامات الدم التي كانت تتوقعها حال دخولها المدن الأفغانية، فخاب ذلك، فكان دخولاً سلمياً، أشبه ما يكون باستلام وتسليم، عكسه غضب الرئيس الأمريكي جو بايدن حين قال: "أعطيناهم كل شيء، فقد سلحنا 300 ألف جندي، وأعطيناهم أفضل الأسلحة، ولكن لا نستطيع منحهم إرادة القتال".

أما الرهان الثاني الذي أفشلته طالبان فهو نتيجة الرهان الأول الفاشل، وذلك بأن تُغرق الدول المجاورة باللاجئين الفارين من الحرب الأهلية، وحينها ستتدخل القوى الإقليمية لحماية حدودها، وحماية مصالحها في أفغانستان.

إنَّ التحدي الخارجي الطالباني اليوم يتمثل في انتزاع الاعتراف الدولي، والظاهر أن دولاً مثل الصين وباكستان وربما روسيا قد تندفع لملء فراغ خلفه رحيل التحالف الدولي، لا سيما الصين التي اتجهت إليها طالبان للمساعدة في بناء الدولة، وهي التي لديها استثمارات اقتصادية ضخمة فيها، ومع الصين حليفتها التقليدية باكستان؛ اللاعب الأساسي في أفغانستان، وهي من أكثر الدول فرحاً بهذا الانتصار، لحرمان عدوتها التقليدية (الهند) من العمق الأفغاني، فحلّت محلها.

ولعل هذا ما دفع واشنطن والقوى الغربية إلى تليين مواقفها، فحركة طالبان لديها خيارات التوجه شرقاً نحو الصين، وهو ما سيعني ضرب النظرية الأمريكية الأساسية في الانسحاب من أفغانستان وغيرها للتفرغ للخصم الصيني.

أفغانستان تشكل اليوم بؤرة في حشد إقليمي وربما عالمي حول الصين، فهي ممر ترانزيت بين آسيا وأوربا، ومركزٌ تجاريٌّ لدول المنطقة، وتحديداً بين الصين وباكستان باتجاه وسط آسيا، وكذلك إيران والمنطقة العربية.. كل هذا ينبغي أن يمرّ من أفغانستان، طريق الحرير قديماً، أو "حزام واحد.. طريق واحد" بحسب المصطلح الصيني الجديد، فضلاً عن تشكيل أفغانستان اليوم فرصة عبور لأنابيب الغاز الطبيعي التركماني عبر أفغانستان إلى باكستان فالهند واليابان، وهي اللحظة التي طالما انتظرتها تركمانستان، التي يطلق عليها كويت آسيا الوسطى، نظراً لحجم الثروات الغازية التي تجلس عليها.
التعليقات (0)