قضايا وآراء

لبنان.. استجرار الغاز العربي مرهون بالإصلاحات والحكومة برسم الرهانات

محمد موسى
1300x600
1300x600
لا زالت الأزمات المفتوحة لبنانيا على حالها، إن لم نقل إنها تفاقمت، خاصة بعد تقرير الأسكوا اليوم الجمعة تحت عنوان "الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهمة"، حيث أكد أن الفقر في لبنان تفاقم إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74 في المئة تقريبا من مجموع السكان، وإذا أُخذت أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، مثل الصحة، والتعليم، والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، إلى 82 في المئة من السكان!

ولا زالت لغة التعقيد الحكومي سيدة الموقف، ولا زال عداد الوقت يراكم الأيام تلو الأيام من عمر تكليف الميقاتي بعد الحريري وأديب. ولا جديد إيجابيا يطغى إلا مزيد من التقارير الدولية التي تقصم الظهر وتزيد منسوب القلق وترفع الأدرينالين على المستقبل الغامض بكل المقاييس، إلا من اللون الأسود الشاحب كعتمة ليالي بيروت، حيث مشاكل الطاقة التي لا تنتهي وإن تحدثنا عن حلول عبر سفن إيرانية، لم ولن تبلغ الشواطئ اللبنانية بفعل التوازنات القائمة، ولا الغاز العربي الذي يحتاج إلى جملة أمور أساسية فنية ولوجستية، مضافة إلى الرغبة السياسية التي تجلت بغض الطرف الأمريكي، إن لم نقل المباركة الأمريكية لزيارة سوريا، رغم قوانين قيصر وماغنتسكي وكل قوانين العقوبات التي تعمل وفق التوقيت الأمريكي حصرا! مضافة إليها الحماسة السورية في العودة إلى الساحة العربية والإقليمية، عبر الزاوية الكهربائية اللبنانية ضمن آليات الوساطات المصرية، ودور كبير ويكبر في المنطقة للمراحل المقبلة مع القيادة الأردنية وأهداف مصرية كبرى؛ تبدأ من مسألة استجرار الغاز، ولا تنتهي بعودة سوريا إلى المنظومة العربية.

إذن بوضوح تام وعلى قدم وساق، يعمل الجميع في الداخل والخارج والإقليم على إنقاذ لبنان من العتمة القادمة والبرد القارس، الذي سيأكل جوانب اللبنانيين في الجبال وعكار وبشري وبعلبك والبقاع حتى العرقوب جنوبا، فلا سبيل إلا بالكهرباء والمازوت والغاز لتوليد المعامل من دير عمار إلى الزهراني مرورا بالجية، ولكن ماذا عن التوقيت؟ وماذا عن العقبات؟ ومَن يسبق مَن؛ الكهرباء أم العتمة؟!

إن للمشروع القديم الجديد مجموعة من المعوقات، تبدأ من أن هامش الحلول لمشكلة الكهرباء بات محدودا؛ لأن مداخيل الدولة المالية من الدولار قليلة. فالكل يدرك أن لبنان يرزح تحت مئة مليار دولار من الديون الداخلية والخارجية، مضافا إليها تصنيف ائتماني (سلكتيف ديفولت) بذاته مشكلة. لذلك بدأ البحث عن حلول بكلفة مخفضة أو مؤجلة، ولذلك كان هناك توجه نحو العراق لاستقدام فيول بأثمان مؤجلة، أو لقاء خدمات صحية في قطاع صحي لبناني نفسه يعاني، ولا أدل من كلام نقيب المستشفيات عن أن القادم مرعب، وحتى الأغنياء لن يستطيعوا تغطية الكلف الطبية!.. أو عبر سلع غذائية وخضروات في بلاد أمنها الغذائي على المحك!

كما أُعيد طرح استيراد الغاز المصري، أو استجرار الكهرباء من الأردن، وتهدف كل هذه الخطط إلى رفع ساعات التغذية الكهربائية والحد من تقنين الكهرباء. ولكن، هل سيبقى الأمريكي يغض الطرف عن مد الدولة اللبنانية من مصر والأردن عبر سوريا متجاوزا قانون قيصر ومفاعيله؟! ثم ماذا عن تمويل المشروع لبلاد تعاني وطأة الإفلاس والمشاكل المالية والاقتصادية المتراكمة؟ وتاليا، هل سيُبقي الأمريكان الزخم نفسه لحماس البنك الدولي للتمويل؟ علما أن المشاكل الفنية والبنى التحتية للمشروع ليست بالأمر الهيّن، خاصة في الشمال اللبناني والجنوب السوري، حيث الخطوط والأنابيب تتطلب عناية خاصة فنية وأمنية وتنسيقية مع كل الأطراف الفاعلة في سوريا، إضافة إلى توفر الكفاءات اللازمة في ظروف استثنائية وخاصة، وكل ذلك ممزوج مع قرار من القيادات العربية في الدول الثلاث لمساعدات لبنان واللبنانيين.

إن كل ما جرى، بعيدا عن الصراع اللبناني الداخلي في رسم العلاقات مع سوريا وكيفية تبلورها من القبول إلى الرفض، يشير إلى أن هناك تحولات بدأت تلمس من جميع الأطراف، خاصة أن مسألة الغاز والكهرباء من المسائل الحيوية التي باتت إلى جانب لعبة سعر الصرف تقض مضاجع اللبنانيين.

وعليه، هل بات هامش التأخير في الولادة الحكومية مرتبطا بالقرارات المتعلقة برفع الدعم؟ هل بات المجهر الدولي حول السفن الإيرانية المحملة بالمازوت والبنزين أداة خوف لدى الرئيس المكلف، وتاليا انتظار ردة الفعل الدولية عليها، فلا أحد يرغب في التورط مع الأمريكان؟  ثم أليس في ذلك هامش جديد لفريق لبناني يريد ترجمة وصرف كل ما تقدم من خدمات وحلول في السياسة، ولا سيما في الملف الحكومي؟ حيث فريق الرئيس يرى أن الوقت لصالحه، وأن تطورات المنطقة السياسية تصب ضمن رهاناته، ومن ثم فإن عدم تشكيل الحكومة اليوم ضمن شروطه لا يعني أنها لن تتشكل غدا، ومن ثم قليل من الصبر قد يكون في مصلحتهم، علما أن الفريق نفسه قادر على الاستمرار في الحكم من دون حكومة، فهو اليوم الحاكم العملي والتنفيذي في ظل عدم قيام حكومة تصريف الأعمال بدورها التنفيذي والأساسي، بحجة العمل بالنطاق الضيق طبقا للدستور. وعليه، يرى الكثيرون أن فخامة الرئيس يجتمع عندما يريد بأي وزير معني أو أي مدير عام، ومجمل القرارات باتت عبر المجلس الأعلى للدفاع!!

من هنا، ينتظر البعض استقالة ميقاتي من تكليفه مع كل ما تحمله الخطوة من مصائب، وعليه سيبقى اللبنانيون على حبال الانتظار والاستجرار لولادة الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى استجرار الغاز المصري الذي سيولد 450 ميغاواطا فقط؛ في بلاد زارتها ذات يوم المستشارة الألمانية الحديدية السيدة ميركل، مصطحبة قيادات شركات سيمنز الألمانية العريقة لبلورة مشروعات لتوليد الطاقة خلال عام واحد فقط، ضمن شروط اقتصادية وفنية أكثر من مناسبة بحسب الكثيرين، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي، ولا كهرباء ولا حكومة لمن يحترفون تمييع الوقت وتضييع الفرص.
التعليقات (0)