قضايا وآراء

لبنان: هل وصلنا إلى الارتطام الكبير.. والفراغ؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
ربما وصلنا إلى الارتطام الكبير حيث حرب البيانات المتنقلة بين دوائر بعبدا ووسط بيروت، مقر الرئيس ميقاتي، فغدت أحلام استيلاد الحكومة العتيدة سرابا وكل ما ينتظره اللبنانيون هو مجهول أسود أشار إليه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان؛ عندما قال إن لم تولد الحكومة فنحن ذاهبون إلى قعر جهنم. وهنا الارتطام الكبير حيث تضيع الاستحقاقات القضائية والحكومية والانتخابات النيابية في بحر المجهول الأسود، مع كثرة الحديث عن الفراغات والسيناريوهات التي لا تتنبأ إلا بالأسوأ.

وهنا كان لا بد من إشارات من مصادر مختلفة إلى خطورة الوضع، بدءا من كلام الرئيس بري في كلمته المتلفزة في ذكرى الإمام الصدر، حيث صوب بسياسته الناعمة قائلا: هناك محاولة موصوفة لاختطاف لبنان وإسقاطه من الداخل، وقال: هناك للأسف عشرات المؤشرات والظواهر التي تدفعنا إلى الظن حيال هذا المخطط الشيطاني. وسأل: "لمصلحة من يعود البعض إلى سيرته الأولى عزفا على وتر الفدرلة وسواها من طروحات أقل ما يقال فيها إنها محاولة لتشظية لبنان على محاور الانقسام الطائفي والمذهبي؟ ولمصلحة من التهديد والتلويح بين الفينة والأخرى بالاستقالات من مجلس النواب؟ لمصلحة من تعطيل آخر مؤسسة منتجة وعاملة في لبنان؟ ولمصلحة من تسليم أقدار اللبنانيين إلى عصابات ومجرمي الأسواق السوداء وكارتيلات الاحتكار في المحروقات والكهرباء والمياه والدواء؟

وسأل الرئيس بري أيضا: "أي سياسة هذه التي أنهت نفسها بنفسها وأنهت السلطة التنفيذية والقضائية ولم تجر الانتخابات الفرعية لمجلس النواب؟"، داعيا إلى "تنحية كل الخلافات مهما كانت أسبابها والإسراع في تشكيل حكومة هذا الأسبوع لا أكثر؛ جدول أولوياتها تحرير اللبنانيين من طوابير الذل وأسر المحتكرين أفرادا وكارتيلات وبدون أثلاث معطلة". وهنا بيت القصيد، إنها حكومة ستعمر طويلا إن ولدت، وسترث القرار!!

أما الإشارة الأخطر فجاءت من وزير الداخلية، حيث أكد أن الوضع الأمني في لبنان ممسوك، بينما هناك خلل في الأمن المجتمعي نتيجة الوضع الاقتصادي والمالي، لذلك هناك خوف من تدهور الأوضاع الأمنية المجتمعية أكثر الآن.

إلى ذلك لفت الوزير فهمي إلى أنه ليس هناك خطر على وجود المؤسسات الأمنية، وإذا تكلمنا عن خطر وجود المؤسسات الأمنية مثل الجيش وقوى الأمن يعني أن الوطن بخطر. ولبنان باقٍ، وكل "نزلة" يقابلها "طلعة". ومن المنطق وجود آلاف طلبات التسريح من القوى الأمنية أو من الجيش، وقادة الأجهزة الأمنية يفعلون المستحيل لمساعدة هذه العناصر المتضررة من الأوضاع من خلال تقديم مواد غذائية وزيادة الرواتب، لكن ما يميز عنصر الجيش وقوى الأمن عن المدنيين هو القَسم، وعلينا الالتزام به، ولن نقبل طلبات التسريح وإلا ينهار البلد.

وفي تلك العبارات إشارات إضافية إلى مدى خطورة القادم، فالجيش والقوى الأمنية عماد الوطن وسياجه ولا يحتمل الوطن تضررها لأن في ذلك نهاية البلد لا سمح الله.

أما ثالثة الأثافي ما قاله عن الانتخابات النيابية العامة، حيث قال بما لا يقبل الشك: لا أستطيع بمفردي إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لأن يدا واحدة لا تصفق، حتى مع الوزير المقبل، على الجميع أن يكونوا يداً واحدة لإجراء الانتخابات في موعدها.

ومع تصاعد الحديث عن فشل محاولات تشكيل الحكومة وذهاب الرئيس ميقاتي إلى خيار الاعتذار، فذلك يعني حكما الدخول في مسار تصعيد وفوضى بوتيرة متسارعة، سيتعذر معها إجراء الانتخابات في موعدها. وعليه بعد الميقاتي هل يأتي الحُرم السني ونكون أمام سياسة عنوانها لا تكليف جديدا ولا حكومة إلا حكومة تصريف الأعمال التي فشلت في "إدارة الانهيار"، وعليه ستكون عاجزة عن مواجهة الوضع الجديد الدراماتيكي المتوقع..

وبالتالي، إلى الفراغ الحكومي سيضاف "تمديد نيابي" وفراغ رئاسي، والأزمة المتدحرجة نحو "قعر الهاوية" ستصل إلى "المؤتمر التأسيسي" الذي يطرق الأبواب، وتاليا عدنا إلى كلام الرئيس الفرنسي ماكرون عن عقد اجتماعي جديد، ولكنه للأسف لن يأتي إلا بعد الارتطام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المدوّي.

يحضرني أمام الفشل الحكومي والانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحاصل الممزوج مع الكارثة الكبرى عبر المطار (أعني الهجرة التي ستقتل الوطن وتفرغه من الكفاءات العلمية من خيرة أبنائه)؛ كلام الإمام موسى الصدر الذي ينطق وكأنه بيننا اليوم: "هنالك فقط طائفة واحدة هي طائفة المستأثرين الطغاة والمحتكرين، وهؤلاء موجودون عند السنة والشيعة والموارنة والأرثوذكس والدروز وغيرهم. هؤلاء يشكلون أفرادها وهم موجودون في كل الطوائف اللبنانية، متفقون وهم طائفة واحدة ضدّ كلّ الناس. أيُّها المتاجرون المقلقون، المخوِّفون، أنتم أعداء الشعب. الشعب كلُّ واحد، وليس عدواً لبعضه، كلُّه يتألم، جائع، عريان، وعطشان".

وعليه ما دامت هذه الطائفة تحكم فنحن إلى الارتطام الكبير سائرون، ومن فراغ إلى فراغ على كل المستويات متجهون، فهل تمر الأيام وبالاتفاق بين الخارج المنتظر والمنكفئ والداخل اللا مبالي ونرى جمهورية الفراغ القاتل حاضرة؟
التعليقات (0)