كتاب عربي 21

"المؤتمر الشعبي العام" اليمني.. هل يعود إلى السلطة؟

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

"المؤتمر الشعبي العام"، هو حزب السلطة الذي أسسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وبقي على رأسه بعد أن أطيح به عبر ثورة شبابية شعبية كبيرة في 11 شباط/ فبراير 2011.

حكم هذا الحزب اليمن لنحو ثلاثة عقود تقريباً، منذ أن تأسس في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس 1982، قبل أن يتحول بعد مرور 39 عاماً إلى منصات ومنابر تتجاذبها أطراف إقليمية ترغب في إعادة تصميم مستقبل سياسي لليمن يكون لما بقي من تركة هذا الحزب دور فيه.

في أوائل الثمانينيات ترسخت القناعة لدى الرئيس صالح بضرورة إيجاد تنظيم يملأ الفراغ السياسي الظاهري الذي خلفه قمع النشاط الحزبي بإيعاز واضح وضغط كبير من جانب المملكة العربية السعودية صاحبة النفوذ الكبير في اليمن والذي كانت تمارسه عبر "اللجنة الخاصة"، وهي فرع استخباري خاص معني باليمن، يتبع العائلة الحاكمة السعودية، في وقت كانت فيه معظم الأحزاب تقريباً تشكل امتداداً لتيارات إسلامية وأحزاب يسارية وقومية.

وكان لعلي عبد الله صالح من وراء تأسيس تنظيم "المؤتمر الشعبي العام"، هدف آخر يتمثل في  إيجاد تنظيم سياسي مكافئ للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جمهورية اليمن الديمقراطية في جنوب اليمن منذ استقلالال جنوب البلاد عن بريطانيا في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، في محاولة لتحسين صورة نظامه الفردي الذي كان يقيم شراكة حذرة وموصى بها من جانب المملكة مع الحركة الإسلامية، لمواجهة ما وصف حينها بالمد الشيوعي القادم من جنوب اليمن.

لطالما تغنى أنصار "المؤتمر الشعبي" ونخبته ومعهم مؤسس الحزب الذي لقي نهاية مأساوية في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2017 إثر معركة خاطفة مع جماعة الحوثي الإرهابية في صنعاء، بأن "المؤتمر الشعبي العام" منتج سياسي يمني خالص، لا تشوبه شائبة التبعية للخارج، ولا يخالطه التأثير أو التأثر بالأفكار المستوردة.

لكن ذلك لم يكن سوى محض مزايدة سياسية على بقية الأحزاب وخصوصاً الإسلامية واليسارية والقومية، لأن الرئيس صالح نفسه كان بعثياً إلى حد ما، رغم أنه بلغ السلطة عبر اللجنة الخاصة، بل إن الدليل النظري للمؤتمر المعروف باسم "الميثاق الوطني" وهو نسخة أكثر عقلانية من الكتاب الأخضر الذي خطه معمر القذافي، صيغ بواسطة كوادر حزبية مجربة من خليط من التيارات السياسية الإسلامية والقومية على وجه الخصوص، التي كانت تنشط تحت سطح الأرض، وبعضها كان مرئياً بشكل كاف ومسكوت عنه.

الأحزاب في بلداننا تتحول إلى نهج مقدس من الممارسات والمواقف والمعتقدات غير القابلة للنقاش أو المساءلة، إلى الحد لا تخضع معه للنقد والتقييم بناء على إنجازاتها، وإلا لو كانت هذه القاعدة تعمل لكان "المؤتمر الشعبي العام" كما "الحزب الوطني" في مصر جزء من الماضي السيء للبلاد.

أقول ذلك لأن اليمن فقدت بالفعل معظم الفرص الممكنة لتأسيس دولة قابلة للحياة، وإنتاج حضارة تليق بالعمق التاريخي والحضاري لليمن في ظل حكم "المؤتمر الشعبي العام" وتحكمه بالسلطة والقرار والمال والفضاء الإعلامي، الأمر الذي بقي معه مناخ التعددية السياسية الظاهري مخنوقاً بنفوذ صالح ورغبته المجنونة في الاستفراد بالسلطة إلى الأبد.

اليوم يراد "للمؤتمر الشعبي العام" أن يستجمع شتاته، في وقت تحول معه إلى تركة مبعثرة، يتقاسمها ورثة متشاكسون ومرتهنون للإرادات الإقليمية، والأسوأ أن الجزء الأكثر ارتباطاً بصالح ما يزال يعمل ضمن سلطة الأمر الواقع في صنعاء، تحت الهيمنة الكاملة لجماعة الحوثي، وشراكة إذلال وتبعية مهينة لهذا المكون الطارئ ذي الطموحات العقائدية التدميرية والنزعة الشديدة لإعادة زج اليمن في أتون الماضي السحيق من الكهنوتية السياسية.

 

لقد مثل "المؤتمر الشعبي العام" من 2012 وقود الثورة المضادة، وهاهو ذا يستعد لأن يكون أداتها في تقويض النظام السياسي الجمهوري الوحدوي، وتأمين غطاء لكل المشاريع التخريبة التي أنتجتها الثورة المضادة في اليمن في خضم حرب أخذت منحى عبثياً خطيراً بعد نحو عاماً من بدئها.

 



ويكفي أن نعرف أن نائب رئيس حزب "المؤتمر الشعبي" فرع صنعاء، هو أحمد علي عبد الله صالح نجل مؤسس الحزب، وهذا يفسر لماذا لم يقل كلمة واحدة بحق من قتلوا والده، ولماذا يقبل أصلاً أن يكون جزءا من تركيبة قيادة مرتهنة بالكامل للحوثيين، في وقت يتواجد فيه في أبوظبي التي كانت ولا تزال جزءا من "تحالف دعم الشرعية" الذي يفترض أنه يحارب الحوثيين كما يدعي.

إن أكثر ما أثار انتباه المراقبين، الأنباء التي تتحدث عن تحركات لقيادات من حزب "المؤتمر الشعبي" واجتماعات عقدتها في أبوظبي، بالتزامن مع الحديث عن مقترح حل سياسي يعيد إحياء خطة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري التي أعلن عنها من أبوظبي في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.

لا تخفي أبوظبي رغبتها في ضمان دور رئيسي للفرع الموالي لها من "المؤتمر الشعبي العام"، وهو نفسه الذي يعتمد على قاعدة تواجده في الداخل تحت نفوذ الحوثيين، يمكن أن يؤديه في المرحلة المقبلة تأسيساً على مبادرة حل سياسي تقضي بتعيين نائب رئيس توافقي وحكومة شراكة، وتحرص على تثبيت المكاسب السياسية والعسكرية للجماعات المسلحة الخارجة على الشرعية، وعلى نحو يبقي هذا الحزب الممزق مصدر تهديد للمشروع الوطني الذي يقتضي تضامناً واضحاً ومحرراً من التحفظات مع كافة القوى الوطنية.

لقد مثل "المؤتمر الشعبي العام" من 2012 وقود الثورة المضادة، وهاهو ذا يستعد لأن يكون أداتها في تقويض النظام السياسي الجمهوري الوحدوي، وتأمين غطاء لكل المشاريع التخريبة التي أنتجتها الثورة المضادة في اليمن في خضم حرب أخذت منحى عبثياً خطيراً بعد نحو عاماً من بدئها.

إن أكثر ما اهتم به المؤثرون الإقليميون السيئون هو تحييد المنظومة السياسية المساندة للشرعية، وكبح جماح تطلعاتها لاستعادة الدولة وترسيخ أسس النظام الجمهوري، لذا كان من أولوياتهم إعادة إنتاج منظومة سلطوية يعبر عنها تحالف المصالح الجهورية والمالية والسياسية المسمى "المؤتمر الشعبي العام"، استناداً إلى الثأر الذي يتحكم بنوازع قادة هذا الحزب المشردون في أرجاء الأرض، والذين لا يريدون أن يُصدقوا أن ربيع اليمن أمَّن لهم بالفعل بداية مشرفة، وأن الذي أنهى وجودهم واستباح كرامتهم السياسية والوطنية هي جماعة الحوثي المدعومة من إيران.


التعليقات (0)