كتاب عربي 21

الأتراك والحاجة إلى معرفة طالبان

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
يتابع الأتراك، كبقية شعوب العالم، تطورات الأحداث المتسارعة في أفغانستان، ومشاهد انسحاب القوات الأمريكية، ومحاولة هروب المتعاونين مع تلك القوات والخائفين من نظام طالبان، وسط تساؤلات حول حقيقة ما يجري، ومحاولات لاستشراف ما ينتظر الشعب الأفغاني المسلم الذي تعب من حروب طويلة.

آراء الأتراك حول التطورات الأخيرة التي تشهدها أفغانستان متباينة، كما أن تحليلات بعضهم يغلب عليها جهل عميق بأفغانستان وطالبان، وتحامل على الحركة، بالإضافة إلى تفسيرات عقلية مؤامراتية. ويرى هؤلاء أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان "مجرد مناورة لتوريط روسيا والصين"، وأن الإدارة الأمريكية سلمت البلاد إلى طالبان، كما يقولون إن الحركة التي سيطرت على العاصمة الأفغانية كابول وجميع أنحاء البلاد خلال أيام، ما هي إلا "صناعة أمريكية بتمويل سعودي".
يلفت هؤلاء إلى أن "المتغطي بالأمريكان عريان"، وأن القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا والعراق عاجلا أم آجلا لتترك عناصر حزب العمال الكردستاني "يتامى"، كما تركت المتعاونين معها في أفغانستان

وفي المقابل، هناك من يرى أن حركة طالبان جزء أصيل من الشعب الأفغاني، وأن القوات الأمريكية انهزمت في أفغانستان واضطرت للانسحاب كما انسحبت قبل ذلك من فيتنام. ويلفت هؤلاء إلى أن "المتغطي بالأمريكان عريان"، وأن القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا والعراق عاجلا أم آجلا لتترك عناصر حزب العمال الكردستاني "يتامى"، كما تركت المتعاونين معها في أفغانستان.

وعلى الصعيد الحكومي، يبدو أن هناك مراجعة لخطة تأمين مطار كابول، في ظل التطورات الأخيرة، وسيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية. وكان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ذكر أنه يمكن أن يلتقي زعيم الحركة في إطار جهود إرساء السلام في أفغانستان. وبعد دخول الحركة إلى كابول، أكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، أن بلاده تنظر إلى رسائل طالبان بشكل إيجابي، في إشارة إلى تصريحات قادة الحركة الأخيرة التي حاولوا فيها بث رسائل طمأنة إلى كافة الاتجاهات. ومن المتوقع أن يحدث تواصل مباشر بين الحركة والحكومة التركية في الأيام القادمة.
لعل العائق الأكبر هو صورة طالبان لدى الشارع التركي، واحتمال استغلال المعارضة تلك الصورة المشوهة في تحريض الشارع التركي ضد الحكومة. ومن المؤسف أن عددا من الكتاب والمثقفين الإسلاميين من الموالين للنظام الإيراني أو أصحاب العقلية المؤامرتية، شاركوا في تشويه صورة طالبان

هناك عوامل يمكن أن تسهل توصل الطرفين إلى تفاهم، مثل كون باكستان وقطر من أقرب حلفاء تركيا وطالبان، كما أن هناك عوائق يجب تجاوزها من أجل بناء علاقات على أرضية سليمة. ولعل العائق الأكبر هو صورة طالبان لدى الشارع التركي، واحتمال استغلال المعارضة تلك الصورة المشوهة في تحريض الشارع التركي ضد الحكومة. ومن المؤسف أن عددا من الكتاب والمثقفين الإسلاميين من الموالين للنظام الإيراني أو أصحاب العقلية المؤامرتية، شاركوا في تشويه صورة طالبان، ما أدى إلى انتشار تلك الصورة الذهنية بين الأتراك بمن فيهم المؤيدون لحزب لعدالة والتنمية.

المعارضة التركية ترى أن الحكومة يجب أن تقاطع طالبان ولا تتواصل مع الحركة، بحجة أنها منظمة إرهابية على غرار تنظيم القاعدة، وتتجاهل إجراء كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين محادثات مع طالبان، كما تغض الطرف عن تصريحات المفوض الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، حول انتصار طالبان في الحرب وضرورة التحاور معها. بل ويقوم بعض أحزابها، كحزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني، بترويج الدعاية السوداء القائلة بأن حركة طالبان مثل تنظيم داعش الإرهابي.

كما أن خوف أنقرة من أن أي انتهاك ترتكبه طالبان قد يحسب على حلفاء الحركة والمعترفين بها، يدفعها إلى التريث في إقامة علاقات مباشرة مع طالبان. ويشير شعور وزير الخارجية التركي بالحاجة إلى توضيح تصريحاته حول إيجابية رسائل طالبان إلى ذاك الخوف، حيث قال في مقابلته مع صحيفة "حريت" التركية: "لم نقل بأننا نتبنى مفهوم إدارة طالبان ونظامها وننظر إليها بإيجابية، قلنا بأننا ننظر بإيجابية إزاء رسائلها. لكن أكدنا أننا نتوخى الحذر، أي أننا نريد أن نرى ممارساتها عمليا".
تواصل طالبان مع الجماعات الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني التركية للتعريف بنفسها ومشروعها سيؤدي إلى إزالة كثير من الجهل، كما أن استمرار رسائل طالبان الإيجابية وممارساتها المعتدلة، بالإضافة إلى تواصلها مع المجتمع الدولي، سيسهل إقامة أنقرة علاقات مباشرة مع الحركة

علاقات أنقرة مع أمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم والتحالف الشمالي قد تشكل عائقا آخر أمام تقارب تركيا وطالبان، إن نظرت الحكومة التركية إلى الشأن الأفغاني من منظور قومي ضيق. ومن المؤكد أن تلك العلاقات تسبق تولي حزب العدالة والتنمية لحكم البلاد، إلا أن أنقرة يجب أن تقف الآن على مسافة واحدة من كافة مكونات الشعب الأفغاني وتبقى على اتصال مع الجميع.

الرأي العام التركي تعرض - وما زال يتعرض - لحملات تضليل وتشويه ضد حركة طالبان. وبالتالي، يحتاج إلى وقت لمعرفة الحركة من خلال مراقبة ممارسات العهد الجديد. ومن المؤكد أن تواصل طالبان مع الجماعات الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني التركية للتعريف بنفسها ومشروعها سيؤدي إلى إزالة كثير من الجهل، كما أن استمرار رسائل طالبان الإيجابية وممارساتها المعتدلة، بالإضافة إلى تواصلها مع المجتمع الدولي، سيسهل إقامة أنقرة علاقات مباشرة مع الحركة.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (0)