قضايا وآراء

الشماتة والتنظير من أصحاب التجارب الفاشلة

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
عجيب منطق بعض الإسلاميين في مصر وسوريا وهم ينظّرون على النهضة في تونس ويسخرون من حكمتها واعتدالها، والتنازلات التي قدمتها أكثر من مرة صوناً للدماء وتقديما لمصلحة البلاد على مصالحهم الحزبية، وهؤلاء يشعرونك وكأنهم أصحاب تجارب ناجحة ينطلقون منها في الانتقاص من النهضة وتجربتها.

والحقيقة أنّ حال تجارب الإسلاميين في واقعنا المعاصر بمختلف تياراتهم لا يكاد يسر صديقا ولا يغيظ عدوا، ولا يوجد نموذج متكامل النجاح في أي قُطر من أقطارنا.
حال تجارب الإسلاميين في واقعنا المعاصر بمختلف تياراتهم لا يكاد يسر صديقا ولا يغيظ عدوا، ولا يوجد نموذج متكامل النجاح في أي قُطر من أقطارنا

وهذا طبيعي برأيي دون تبرير، فعمر تجارب الحكم للحركة الإسلامية عموما قصير نسبيا فضلا عن حجم التآمر الخارجي وحالة الاستعداء الداخلي لأي مشروع إسلامي مهما كان وسطي الطرح، بل على العكس أجد استشراسا في محاربة الطرح الوسطي أكثر من جماعات التطرف مثل "داعش"؛ حيث ترى المراكز البحثية والدراسية أن الإسلاميين المعتدلين مؤهلون لحكم البلاد والنهوض بها شريطة تمكينهم من ذلك، وإعطائهم حقهم كاملا حسب صناديق الاقتراع بعيدا عن محاصصات التوافقات مع مرجعيات حزبية مختلفة.

والغريب أن من ينتقد مواقف النهضة قبل وأثناء الانقلاب لا يقدّم بديلا مجربا أو معقولا، وإنما هدفه الشماتة بالاستثناء التونسي، مع أن القصة لم تنته بعد، ولم تطو حيل السياسة أو حساباتها.
من ينتقد مواقف النهضة قبل وأثناء الانقلاب لا يقدّم بديلا مجربا أو معقولا، وإنما هدفه الشماتة بالاستثناء التونسي، مع أن القصة لم تنته بعد، ولم تطو حيل السياسة أو حساباتها

ومن العجيب استنكار حكمة رئيس البرلمان الشيخ راشد الغنوشي في الحديث مع المجموعة العسكرية التي أغلقت باب المؤسسة النيابية دونه؛ وكأنّ الشيخ لو كان أصغر عمرا برأيهم لتمكن من مواجهتهم!! لا أدري أي مواجهة يقصدون؟ هل يدخل معهم مثلا في حلبة مصارعة أو يُسقط عليهم سيل من الشتائم حتى يشفى غليلهم؟

لا يليق التسرع والاستعجال في محاسبة تجارب الحركات السياسية كمن يجلس في شرفة النظارة ويراقب لاعبي الكرة في المباراة، ويبدأ ينظّر عليهم، فضلا عن أن كل تجربة لها خصوصيتها وظروفها الخاصة.

اللافت أن بعض المحسوبين على تيارات موصوفة بالتشدد في بادية الشام والعراق ينتقد ويرفع صوته شامتا، وكأن حاله أفضل ومشروعه أكثر نجاحا.

بدلا من أن يصرف بعض الإسلاميين جهدهم ووقتهم للتضامن مع إخوانهم الذين يتعرضون لهجوم غير مسبوق وشيطنة غير عادية يسارعون لتصيد عثراتهم وأخطائهم، مع أن الزمن فيه فسحة لذلك، والأولى التركيز الآن على رفض الانقلاب وتعريته وبيان عواره.
بدلا من أن يصرف بعض الإسلاميين جهدهم ووقتهم للتضامن مع إخوانهم الذين يتعرضون لهجوم غير مسبوق وشيطنة غير عادية يسارعون لتصيد عثراتهم وأخطائهم

أما شماتة تيار الثورة المضادة فحدث ولا حرج؛ حيث سقطت بها كل قيم المهنية والإنسانية وحسابات احترام حقوق الإنسان من منطق صحافة وإعلام دول لا كرامة للإنسان فيها أصلا.

قبل أن أختم لا بد من كلمة لكل أولئك المؤمنين بوسطية الطرح واعتدال الرؤية في التعبير عن الإسلام ونصرته وتمثيله على أرض الواقع، محذرا من تسرب اليأس إلى قلوبهم وأن يثقوا بسنن الله في خلقه "وأن العاقبة للمتقين"، والأيام دول ولم يسدل الستار على المشهد بعد.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
التعليقات (0)