كتاب عربي 21

الميزانية العامة بليبيا.. الانحرافات المالية والمناكفات لسياسية

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
يجتمع البرلمان الليبي الاثنين (24 أيار/ مايو) للبحث في إقرار الميزانية العامة للبلاد التي اقترحها رئيس حكومة الوحدة الوطنية، برقم غير مسبوق، فاق الميزانيات الكبيرة في فترات الاستقرار خلال عامي 2012 و2013م بمقدار الضعف تقريبا، فما المبرر وراء هذا الرقم الفلكي، ولماذا تأخر اعتماد الميزانية؟

مشروع الميزانية جاء بإجمالي 97 مليار دينار تقريبا (نحو 22 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، وبعد إرجاعها من البرلمان للحكومة، قدمت الحكومة ميزانية بنحو 94 مليار دينار ليبي، إذ لم يتم المساس إلا ببندي التنمية والطوارئ، وظلت باقي البنود على ما هي عليه تقريبا.

أرقام كبيرة غير مفسرة

من الملاحظات التي لم تلق أي تفسير بالنسبة لجمهور كبير من الليبيين هو الارتفاع الكبير في بند المرتبات، والذي قفز من 24.5 مليار دينار للعام الماضي إلى ما يزيد عن 34 مليار دينار لهذا العام. إذ يشكل الفارق مخصصات لنحو مليون وظيفة جديدة، وذلك بالنظر إلى متوسط دخول القطاع العام والذي هو بحدود 850 دينار شهريا.

لا يوجد عدد كبير من العمالة الأجنبية في القطاع الحكومي حتى نبرر هذه الزيادة بفارق سعر صرف الدولار خلال العامين 2020 و 2021م؛ من 1.4 دينار للدولار إلى 4.48 دينار للدولار، فمن أين جاء هذا الرقم الهائل من المستخدمين الجدد؟! وهل يمكن أن يكون هؤلاء هم من وظفتهم الحكومة المؤقتة في الشرق خلال سنوات الانقسام الست؟!

تعاظم الانفاق التسييري والدعم

في ما يتعلق ببندي النفقات التسييرية الحكومية والدعم، فالأول لم يشهد تغييرا كبيرا عن العام الماضي، والفارق يمكن تفسيره بتغيير سعر الصرف حيث تصل الاعتمادات الحكومية إلى نحو 800 مليون دولار في العام، لكنه رقم كبير قياسا بحجم ونوع الخدمات التي يقدمها القطاع العام.

أما الدعم فيشمل الوقود والكهرباء، فالزيادة فيهما مفهومة وذلك بالرجوع إلى أثر تغيير سعر الصرف الدولار، ذلك أن كميات كبيرة من الوقود مستوردة، أيضا مستلزمات تشغيل قطاع الكهرباء، ويضاف إلى ما سبق بند علاوات الأسر والأبناء وما في حكمها، والتي من المحتمل أن تتعدى سبعة مليار دينار.

ولقد أثارت الحكومة حفيظة قطاع من المختصين والنشطاء وغيرهم باتجاهها إلى رفع الدعم، وذلك بعد قرار تشكيل لجنة حكومية بهذا الخصوص. فبند الدعم في الموازنة في اتجاهه إلى الإقرار فما قيمة قرار تشكيل لجنة عليا للبحث في رفع الدعم، ولماذا تدخل حكومة عمرها قصير في مثل هذه التعقيدات؟!

فساد محتمل وهدر مؤكد

في ما يخص بند التنمية، فقد تضاعف مرات عن السنوات السابقة، ولا بد أن لسعر الصرف أثره في ذلك، إلا أنه لم يرفق بمقاربة الحكومة لخطة التنمية ومستهدفاتها وإطارها الزمني ولو بإيجاز. ويفتح هذا الغموض الباب لتهم تتعلق بالفساد، وهو ما استند عليه بعض النواب الذين انتقدوا مشروع الميزانية.

ثم ما الذي يمكن أن تقوم به الحكومة التي لا يتجاوز عمرها سبعة أشهر على صعيد التنمية، وذلك في مواجهة مشاكل كبيرة تتعلق بالمشروعات المتعاقد عليها سواء المتوقفة أو التي لم تبدأ بعد؟

والملاحظة ذاتها تنسحب على بند الطوارئ والذي تم تعديله من خمسة مليارات إلى أربعة مليارات دينار ليبي، ففي ظل الوضع المرتبك جدا للدولة ومؤسساتها فإن إطلاق يد الحكومة بمبلغ كهذا يمكن أن يكون ذا أثر سلبي، وهو باب لمزيد من الهدر في المال العام الذي لم يتوقف منذ سنوات طويلة.

الآثار الاقتصادية للرقم الفلكي

من ناحية أخرى، فإن ضخ مثل هذا الرقم في السوق الليبي سيعود بنتائج غير محمودة على الاستقرار المالي والنقدي، وبالتحديد على المستوى العام للأسعار وعلى سعر صرف الدولار، وهو أسوأ ما يمكن أن يواجهه الحكومة ويواجهه المواطن.

الميزانية في قلب الأزمة السياسية

وبالانتقال من الاقتصادي إلى السياسي، فقد تأخر اعتماد الميزانية لأنها تدخل في عمق النزاع القائم بين جبهتي الغرب والشرق، فاعتماد الميزانية مقرون عند عدد معطل من النواب يقودهم رئيس البرلمان عقيلة صالح بالمناصب السيادية، وفي مقدمة هذه المناصب محافظ المصرف المركزي، ولك أن تتخيل وضع الميزانية العامة والإنفاق العام في ظل محافظ يخضع لجبهة الشرق (السياسية والعسكرية)؟ فلقد كان الخلاف محتدما بين سلطة مالية وسلطة نقدية من نفس الجبهة السياسية، وأشير هنا إلى صدام حكومة الوفاق مع المصرف المركزي طرابلس، فهل سيكون الوضع أفضل إذا تحقق لعقيلة صالح وبعض من شيعته ما يريدون؟
التعليقات (0)