قضايا وآراء

الشيخ جراح يقود ثورة الأمة

ياسر عبد العزيز
1300x600
1300x600

عقب صلاة فجر الجمعة الأخيرة من رمضان احتشد آلاف المصلين، الذين ما لبثوا أن أنهوا صلاتهم، في باحات المسجد الأقصى ليرددوا: "نقسم بالله العلي العظيم أن نحمي المسجد الأقصى المبارك".

ما إن أنهى المصلون قسمهم الذي أتبعوه بهتافات "بالروح بالدم نفديك يا أقصى" حتى نقلت الشبكة العنكبوتية فيديو القسم الذي صوره مئات المصلين الذين رددوا القسم، ليتناقله المقدسيون في الداخل والفلسطينيون في أكناف القدس والعالم الإسلامي والمسلمون في العالم، وهو ما ألهب حماس البعيد قبل القريب من الحدث.

الشيخ جراح مدخلا لإسقاط الأقصى

في الطرف الشرقي للمسجد الأقصى، كانت معركة أخرى يذود فيها المقدسيون عن شرف الأمة قبل أن يذودوا عن ممتلكاتهم، وإن كان الاثنان لا ينفصلان..

لماذا حي الشيخ جراح؟

على السفح الغربي لجبل المشارف هاجمت القوات الصهيونية فجر يوم السادس من حزيران/ يونيو عام 1967 الموقع المحصن للجيش الأردني بعد قصفه بالطيران. الموقع الأردني كان منوطا به حماية حي الشيخ جراح ومن ثم حماية البلدة القديمة في القدس من جهة الشمال، وهو ما يقطع اتصالا جغرافيا بين بؤر الاحتلال، وسقوط الموقع يعني سقوط حي الشيخ جراح وتطويق البلدة القديمة، ووصول قوات الاحتلال الصهيوني إلى الجامعة العبرية وتحقيق اتصال جغرافي بين بؤرتي الهجوم الأساسيتين.

كان الموقع يضم 105 أبطال من كتيبة الحسين الثانية، مع بدأ القصف والذي تبعه الهجوم الشامل، تعاهدوا على الشهادة دون سقوط الموقع، سقط 97 منهم شهداء وبقي الموقع رغم فقدان جل رجاله صامدا ومانعا من تحقيق هدف المعتدين.

 

الآن يعيد المقدسيون بطولة إخوانهم الأردنيون بعد 54 عاما، صامدين متمسكين محافظين غير مفرطين. فالهدف ليس الشيخ جراح، وإن صيد الاحتلال الثمين هو الأقصى ومقدسات القدس الإسلامية والمسيحية، إن ما يقوم به أهل الشيخ جراح وأهل البلدة القديمة وأم الفحم وسلوان وغيرهم إنما هو إحياء لقلب هذه الأمة التي يراد لها الموت.

لماذا القدس قضيتنا؟

بالإضافة إلى أن القدس تحتضن مقدسات المسيحيين والمسلمين بين جنباتها، وما يمثله ذلك من مسئولية دينية قبل المسئولية الوطنية المترتبة عليها واجب حماية الأرض من الاحتلال وسرقة مقدراتها، إلا أن المسئولية الأخلاقية والإنسانية تقتضي الوقوف في وجه الظلم ونصرة المظلوم. فالباطل مهما زيف ولون ونسجت حوله الأكاذيب، أو فرضه القوي بقوته، لا يمكن أن يهزم الحق ولو طال الزمن.

إن المسؤولية الإنسانية والأخلاقية تقتضي الوقوف إلى جوار الضعفاء الذين يحفظون شرف الأمة، تقتضي الوقوف إلى جوار الصامدين منذ ثمانين سنة، فهناك من لم يصمد سبع سنوات أو حتى ثلاث، فلقد صمدوا رغم تجريدهم من السلاح، رغم تجريدهم من الحقوق، رغم تكالب القاصي والداني عليهم، رغم شيطنتهم من القريب قبل البعيد، رغم التآمر عليهم، رغم كل ذلك يقاومون.

الفلسطنيون عامة والمقدسيون خاصة يواجهون غربة مركبة، غربة الأرض التي يعيشون عليها ويحاول الصهاينة بتوغلهم وتأثيرهم اقتلاعهم منها من خلال تسخير إمكانيات دول العالم أجمع لإقتلاعهم منها، وغربة الأحباب والخلان ونكرانهم لقضيتهم. لا ينكر فلسطيني إحساسه بالوحدة رغم أنه يعيش بين ما يقارب الــ400 مليون عربي والمليار ونصف المليار مسلم، لكن الحقيقة أن مواقف دول هذه الأعداد لا تمثل هذه الملايين ولا المليار ونصف، الموقف الرسمي بالتأكيد لا يمثل حقيقة معنى القدس وفلسطين لدى العرب والمسلمين.

استطاع الاحتلال الصهيوني بنفوذه وبمساعدة الدول الكبرى أن يشعل الحرائق في الوطن العربي، حتى أصبح الكل مشغولا بنفسه، ولعل حسابات المصالح وتقاطعها كان لها دور في أن تتراجع القضية الفلسطينية في أولويات جيرانها وإخوانها العرب والمسلمين. فقبل أن تنقذ جارك عليك أولا أن تطفئ الحريق المضرم في بيتك، قاعدة منطقية، لكن الهبة الشعبية لنصر الأقصى خلال الأيام الماضية، كسرت قواعد المنطق.

لا يضرهم من خذلهم

سكوت الحكام العرب والمسلمين، باستثناء الرئيس أردوغان، على ما يحدث في القدس عار يضاف إلى تاريخهم إزاء القضية. فالحصار المفروض على فلسطين، والتطبيع مع المحتل الصهيوني، والتنسيق الأمني والمخابراتي والعسكري، ثم محاولات فرض تطبيع شعبي على الشعوب، رغم رفضها، يؤثر بشكل كبير على قدرة الشعب الفلسطيني والمقدسي ومن ثم على استمرار المقاومة.

الشعوب من ناحيها لم تقصر، وعلى قدر المستطاع هبت الشعوب غضبا رغم اقتصار الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي دعما للمقدسيين، فلم تسمح الأنظمة للشعوب بالخروج للتعبير عن غضبها ونصرتها لإخوانها، فالهدف تمرير الجريمة وقتل روح التضامن والإخاء؛ أحد السمات المهمة التي لا تزال تربط أواصرنا وتحكم وثاقنا.

نشأ الإمام أبو حامد الغزالي في بيئة استشرى فيها التعصب والتحجر في العقول، ما أثر في جسم الأمة في وقت كان الأقصى أسيرا يشكو ظلم الاحتلال وبطشه، وعلى الرغم من أن الغزالي وصل إلى أعلى المناصب وتبوؤ المكانة التي تجعله مسموعا، إلا أنه لم يرض عن حاله ولم يجد في طريقه رضى الله، فانخراطه في بيئته وما خطه من أسلوب حياة كان ينغص عليه صفو حياته، فتحول إلى ما يجب أن يفعل من إخراج جيل من العلماء العاملين الذين ينبذون التعصب ويفتحون المجال للعقل والإبداع لإخراج الأمة مما هي فيه.

فالغزالي يرى أن أول طريق الحل هو رفض الواقع، وأن طريق تحرير الأقصى يبدأ بإنتاج الرجال، وصناعة الرجال تبدأ بتحرير العقول، ورفض التباكي. فسقوط القدس ما هو إلا نتيجة طبيعية لمقدمات فشل التربية وتكلس المجتمع ورضا الحكام بالخنوع للحوادث. هذا المنهج الذي انتهجه الغزالي كان له الأثر في تربية نور الدين الزنكي، ومن بعده صلاح الدين الذي تشرب فلسفة الغزالي وثار على الوضع وهزم الدولة الفاطمية ليفتح الطريق لتحرير القدس.

تحرير القدس يبدأ من بيتك، علّم أهل بيتك الثورة على الظلم وعدم الرضا به، علمهم رفض الخنوع، حقق العدل في بيتك يحققه الله في الأمة، علم جيرانك وأصدقاءك وزملاءك في العمل والمدرسة والجامعة الثورة على الظلم والدفاع عن الحق. تتراكم الثورة وتحرر القدس، ولعل الشيخ جراح الذي شهد استشهاد 97 أردنيا دفاعا عنه ويشهد الآن دماء المقدسيين يقودنا لثورة الأمة وتحررها.


التعليقات (0)