كتاب عربي 21

هل كان عيشها في القصر نعمة أم نقمة؟

جعفر عباس
1300x600
1300x600

في أواخر عام 1995 أجرى مارتن بشير حوارا مع الأميرة ديانا زوجة الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا، كشفت فيه ديانا النقاب عن أجواء التآمر والخنق المعنوي التي عاشتها في كنف العائلة البريطانية الحاكمة، في وقت صارت فيه علاقة تشارلز بكاميلا باركر شبه معلنة، ومع ذلك حرمت العائلة ديانا حتى من حق الشكوى، ويوم الأحد الموافق 6 آذار (مارس) الجاري قال الأمير هاري نجل ديانا وتشارلز إن التاريخ أعاد نفسه عندما صارت زوجته ميغان ماركل ضحية مؤامرات أكثر خسة من تلك التي تعرضت لها أمه في القصر الملكي.

حلَّ هاري وميغان ضيفين على مقدمة البرامج الحوارية الأمريكية البارعة أوبرا وينفري في ذلك الأحد، وفتحا ملفات ظلا ساكتين عنها لسنوات، تتعلق بالمعاملة الفظة التي لقيتها ميغان بعد زواجها بهاري من العاملين في القصور الملكية ومن صحافة (التابلويد) البريطانية الصفراء، لا لشيء سوى أن ميغان سمراء ودخيلة على الأوساط الارستقراطية، واعتبرها كثيرون "خطّافة رجال" بمعنى أنها اختطفت لنفسها زوجا لا تستأهله.

ما حز في نفسي هاري وميغان هو أنهما استنجدا بالأسرة الملكية كي توفر لهما الحماية من القيل والقال الكاذب والرامي إلى اغتيال شخصية ميغان دون أن يجدا أي استجابة، بل إن ميغان كادت تصاب بانهيار عصبي نتيجة للضغوط النفسية التي عانت منها، ورأت أن تقابل طبيبا نفسيا ولكنهم منعوها من ذلك بزعم أنه لا يليق بمن تنتسب إلى تلك الأسرة أن تشكو من اضطراب نفسي.

ثم جاءت مرحلة مسح الملح على جراح ميغان عندما حملت بطفلها آرشي، فقد تداول أقطاب القصر الملكي علنا ضيقهم من أن المولود سيكون أسمر أو أسود البشرة، وبعد مولد آرشي أبلغوها بأنه لن يحمل لقب "أمير"، وبالتالي لن يحظى بأي حماية، ثم بدأت الصحافة في التهكم على المولود بوصفه دخيلا على العائلة الحاكمة، بل إن أحد مراسلي بي بي سي شبه آرشي بالشمبانزي، وشكل ذلك صدمة صاعقة لميغان التي لم تستطع استيعاب أن أقارب ولدها من الدرجة الأولى، مع كل ألقابهم الفخمة يتبرؤون ويستعرون من ولدها، فكان أن ساءت حالتها النفسية وفكرت في الانتحار، وهنا قال لها هاري: لن تخرجي من الدنيا، بل نخرج سويا من القصر ونقطع علاقتنا به تماما.

 

لا سبيل لإنكار أن القصر شأنه شأن كل القصور الملكية في أوروبا قام على استرقاق أبناء وبنات المستعمرات والاستعلاء العرقي عليهم، وما كانت ميغان استثناء، إلا لأنها جاهرت بالشكوى وخاضت في أمور مسكوت عنها.

 



وربما لم يكن الناس سيصدقون ميغان لو شكت علنا من سوء المعاملة والتمييز العنصري الذي عانت منه، ولكن هاري ألقم المتشككين في رواية زوجته أحجارا كبيرة، عندما قال إنه كان يحس إبان وجوده في القصر، حتى قبل زواجه بميغان بأنه واقع في مصيدة وأن ميغان أنقذته منها، ثم حكى كيف أن والده (الأمير تشارلز) امتنع عن تلقي أي اتصال هاتفي منه لمدة طويلة لأنه (تشارلز) لم يكن مستعدا للاستماع إلى شكواه من سوء المعاملة التي تتعرض لها ميغان (ربما لأن ذلك أعاد إلى ذاكرة تشارلز سوء المعاملة التي عانت منها والدة هاري، ديانا سبنسر في القصر).

ويضيف هاري إن والده لم يكتف بخذلانه معنويا، بل مضى إلى أبعد من ذلك وقطع عنه النفقات التي يستحقها كعضو أصيل في الأسرة الملكية التي تعيش على نفقة دافع الضرائب البريطاني، وأنه لولا أنه ورث بعض المال عن أمه لما عرف كيف يعول زوجته وإبنه منها.

ما يؤكد أن ميغان كانت مستهدفة، هو رفض القصر الملكي توفير أي نوع من الحماية لها ضد الأكاذيب التي روج لها الإعلام البريطاني، مع أن القصر لم يكن يتورع حتى عن الترويج لأكاذيب لحماية سمعة أعضائه الكبار، بدليل أن الأمير أندرو شقيق تشارلز وجد سندا معنويا وإعلاميا قويا وهو يواجه تهمة إقامة علاقة جنسية مع فتاة قاصر من ضحايا الاتجار بالبشر، ثم والإعلام الأمريكي يكشف علاقته المريبة بجيفري أبستين، ذلك المليونير الأمريكي الذين دخل السجن بعد إدانته بممارسة الجنس مع أكثر من أربعين فتاة دون الخامسة عشر، فقد ثبت أن أندرو زاره ونزل ضيفا عنده في نيويورك مرات عدة.

وبما أن ميغان أكثر فصاحة وطلاقة لسان من ديانا، وساعدها زوجها حفيد ملكة بريطانيا في فضح العنصرية المتمكنة من أقطاب القصور الملكية، فقد أحدثت مقابلتها مع أوبرا زلزالا ما زالت جنبات قصر بكنغهام ترتج على وقعه، خاصة ولا سبيل لإنكار أن القصر شأنه شأن كل القصور الملكية في أوروبا قام على استرقاق أبناء وبنات المستعمرات والاستعلاء العرقي عليهم، وما كانت ميغان استثناء، إلا لأنها جاهرت بالشكوى وخاضت في أمور مسكوت عنها.

أما على الصعيد الإعلامي فقد جاءت اللطمة على وجه مقدم البرامج البريطانية المعروف بيرس مورغان مقدم برنامج "صباح الخير بريطانيا" على القناة المستقلة آي تي في، عندما فتح عليه زميله أليكس بريسفورد النار، واتهمه بأنه روج الأكاذيب حول ميغان، فلم يجد مورغان بدا من الخروج من الأستوديو "على الهواء"، بعد التعرض للتقريع، فصار مصدر شماتة وسائل الإعلام في جميع القارات.


التعليقات (0)