قضايا وآراء

يَخْشَون الإعلام أكثر من خشيتهم الله!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600

في السجن حيث "أحقر" اختراع عرفته البشرية، قال له الضابط وهو يهم بالمغادرة، وقد وجد نفسه أشبه بجثة هامدة ولكنه يتنفس ولو ببطء! كيف لا وقد أنهكه البطش والتعذيب: عليك أن توقع هنا بعدم التصريح للإعلام عما جرى معك، وإلا فأنت تعرف كيف يمكننا الانتقام منك ومن أهلك ومن جميع مواطني بلدك المقيمين عندنا!

وقّع مرغماً وهمّ بالانصراف مسرعا؛ فهو يخشى أن يغيّروا رأيهم في أي لحظة، ولكن الضابط عاد ليسأله: لمن ستشكونا؟ فقال صاحبنا منفعلا (وقد جال في خاطره كل ما تعرّض له داخل السجن المخيف من تعذيب وسوء معاملة واعتداء، وتعايش إجباري مع السحل والركل والإهانة والظلم المصحوب ليلا بالطرق المستمر بوحشية على بوابة الزنزانة لمنعه من النوم مع تعريضه للإنارة القوية بين حين وآخر، فلم يعد يميز ليله من نهاره ولا صيفه من شتائه) ليسبق لسانه بالجواب: سأشكوكم إلى الله!

كلمة خرجت من القلب لمن ملأ كيانه القهر: أشكوكم للواحد الأحد الذي لا يظلم عنده أحد، أشكوكم إلى الله، طال الزمن أو قصر، مصيركم إليه وحسابكم عنده جل في علاه.

علت وجه الضابط ابتسامة ماكرة صفراء وكأنّ الشيطان قد انمسخ على صورته وقال: لا مشكلة في أن تشكونا إلى الله! المهم ألا تشكونا إلى الإعلام؟!

هل تتخيل إنساناً قد يكون مؤمنا بوجود الله، ولكنّ برمجة كيانه وما جُبل عليه من ظلم واضطهاد وإفساد وفساد تحيله لشخص يخشى الناس ليس كخشية الله وإنّما أشد؟!

لا يهتم زبانية الإجرام في بلادنا لحرام أو حلال، أو لظروف إنسانية لمعتقل أو آخر.. ما يهمهم صورتهم في الإعلام وتحديدا في الإعلام الغربي، وعليه فإن كان المعتقل أو المعتقلة من المعروفين في الغرب فالموضوع أكثر حساسية، وهو أصعب إن كان المعتقل يحمل جنسية بلد أجنبي من الدول المتقدمة.

وحدهم الدعاة وعلماء الشريعة ومن مثلهم من الإسلاميين يغيب الحديث عنهم، فلا بواكي لهم إلا ما تقوم به بعض المنظمات الحقوقية المغمورة بين حين وآخر، وعليه تجد كثيرا من المعتقلين المعروفين قبل اعتقالهم باعتدال فكرهم ووسطية منهجهم، وعدم قدرة السلطات على تقديم أدلة ملموسة بشأن مخالفات قاموا بها أو جرائم تدعي أنهم ارتكبوها، هؤلاء يعانون من قضايا كثيرة ومنها:

مخالفات داخل السجون

- التغييب في زنازين فردية لسنوات.

- الحرمان لفترات طويلة من زيارة الأهل والأصدقاء.

- الحرمان من الأدوية الضرورية والمستلزمات الشخصية.

- سرقة ما يأتيهم من ذويهم من مال وحاجات.

- الامتناع عن تقديم الرعاية الطبية اللازمة.

- عدم تمكين المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر من زيارتهم وتفقد أحوالهم.

قضايا في تعامل المجتمع الدولي

وعلى صعيد المجتمع الغربي والمنظمات الحقوقية الدولية تجد:

- عدم تبني المطالبة بالإفراج عنهم.

- الاقتناع بما تقدمه السلطات القمعية من روايات عنهم.

- التواطؤ مع الدول التي اعتقلتهم بالسكوت عن هذا الجانب.

- الاكتفاء بالمطالبة بالإفراج عن الشخصيات المقربة من الغرب أو التي تحمل جوازات سفر غربية.

ولقد تعمدت في مقالي عدم ذكر أسماء معتقلين بعينهم أو دول بذاتها، فالقصة فاقت اسم معتقل أو اثنين، وتجاوز البغاة فيها ليصل عدد المعتقلين والمعتقلات إلى عشرات الآلاف وفي عدة دول عربية وإسلامية - للأسف - فضلا عن معتقلين في دول غربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ذاتها.

ماذا علينا أن نفعل؟

إن على كل حر في هذا العالم واجب أخلاقي وإنساني بعدم نسيان هؤلاء المظلومين وتبني قضيتهم، ومن المعيب في حق أي ناشط حقوقي أن ينبري للدفاع عن معتقلين دون معتقلين، وأن يناصر مظلومين دون مظلومين. فالظلم واحد والظالم واحد، ومشعل الحرية واحد كذلك، وعلى من يرفعه أن يسلط به الضوء على كل مظلوم بغض النظر عن خلفيته الفكرية واتفاقه معه بالطرح من عدمه، والتاريخ كفيل ببيان الحقائق وفضح أصحاب المعايير المزدوجة ولو بعد حين.

 


التعليقات (0)