تقارير

رئيس اتحاد كتاب سوريا: هذا فهمنا لفلسطين ودوافع نصرتها

محمد الحوراني: القدس كانت ولا تزال جوهر القضية الفلسطينية (عربي21)
محمد الحوراني: القدس كانت ولا تزال جوهر القضية الفلسطينية (عربي21)

تنشر "عربي21" في قسم "فلسطين الأرض والهوية"، توثيقا أسبوعيا لفلسطين كما تبدو فكرة ومفهوما في أذهان المثقفين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين في العالم.. على اعتبار أن هذه الكتابات هي جزء من وثائق التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.

اليوم ننشر رأي رئيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا الدكتور محمد الهوراني، عن القضية الفلسطينية في وعي الكتاب السوريين، وتحديدا عن تهويد القدس والتطبيع، في حوار خاص أجراه الكاتب التونسي توفيق المديني.

 

 

 
الدكتور محمد الحوراني مثقف عضوي وعصامي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى دقيق، من مواليد سوريا في عام 1975، يحظى بشعبية كبيرة في بلده بين أوساط المثقفين والكتاب، ويُعَدُّ من جيل الشباب الصاعد في فضاء الثقافة السورية والعربية، فهو حائز على شهادة الدكتوراه في التاريخ من الجامعة اللبنانية سنة 2019، حيث كانت أطروحته: الكتلة الوطنية ودورها في استقلال سوريا من 1927 إلى 1946. وتم انتخاب الدكتور الحوراني في المؤتمر الانتخابي لاتحاد الكتاب العرب في سوريا لدورته العاشرة، الذي عقد تاريخ 18 كانون الثاني (يناير) 2021، رئيسا لاتحاد الكتاب العربي في سوريا.

لما كان جوهر القضية الفلسطينية و لا يزال هو القدس، باعتبارها تحتل مكانة خاصة في نفوس المسلمين الذين يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية: فهي قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، وفيها الأقصى الذي بارك الله من حوله مباركة تشمل جميع بلاد الشام، كما أجمع علماء المسلمين على ذلك، وهي من القرى التي بارك الله فيها، وهي موطن الرباط والجهاد فيها وفي أكنافها إلى يوم القيامة، كما أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول الدكتور الحوراني في لقائه مع "عربي21": بأن "القدس تشكل الركن الأكثر أهمية في الصراع العربي الصهيوني، لما لهذه المدينة من أهمية كبيرة عند العرب، وكذلك عند الصهاينة الذين يدّعون أحقيتهم التاريخية والروحية في المدنية. ولما كان التعليم هو الحلقة الأقوى في مسلسل الصراع العربي الصهيوني، فقد عمد الصهاينة إلى تهويد التعليم في مدينة القدس، وتجهيل العرب في هذه المدينة المقدسة، وذلك لخلق جيل صهيوني يبذل كل غال ونفيس من أجل المحافظة على هذه المدينة، والتمسك بها بعد إيهامه بتجذّر انتمائه لها".
 
ويؤكد الحوراني أن السلطات الإسرائيلية، منذ احتلالها لمدينة القدس في عام 1967، تسعى جاهدة لتقويض قطاع التعليم وربطه بجهات التعليم الإسرائيلية إشرافا وإدارة. فقد دعا وزير الدفاع الصهيوني في أعقاب حرب حزيران 1967م إلى اجتماعين في 13/10/1967م و26/10/1967م للنظر في مناهج التعليم العربي في القدس والضفة الغربية، أسفرا عن وجوب تطبيق المناهج الصهيونية في القدس، وحذف وتعديل مناهج الضفة الغربية وقطاع غزة بما يتفق وأهداف إسرائيل، وذلك بغية تربية الطلبة العرب تربية تهدف إلى ولائهم لـ "دولة الاحتلال الإسرائيل"، وإثبات أحقيتها في فلسطين.

ويؤكد الدكتور الحوراني في عرضه لعملية تهويد القدس، أن السلطات الإسرائيلية، منذ احتلالها لمدينة القدس في عام 1967، تسعى جاهدة لتقويض قطاع التعليم وربطه بجهات التعليم الإسرائيلي إشرافا وإدارة، عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات السياسية، من أهمها ضم المدينة المقدسة بعد احتلالها مباشرة وإغلاق مكتب تربية وتعليم محافظة القدس ونقله إلى مدينة بيت لحم، مما أفقد الجانب الفلسطيني حق الإشراف على المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في مدينة القدس ومحافظاتها، وتبع هذا القرار إصدار الحكومة الإسرائيلية قرارا آخر يقضي بتطبيق القانون الإسرائيلي، مما أسمته قوات الاحتلال بالقدس الموحدة، مما ترتب عليه إسرائيليا إلغاء العمل بقانون التربية والتعليم الأردني رقم 16 لعام 1967، الذي يحدد النظام التعليمي ويوجه المسيرة التعليمية ومؤسساتها التربوية، واستبدالها بالتشريعات والنظم الإسرائيلية لإلحاق المدارس الحكومية الثانوية بجهاز المعارف الإسرائيلي، إضافة إلى قرار ثالث أصدره ضابط التربية والتعليم في المحكمة العسكرية في بيت إيل (موقع عسكري يحتوي محكمة عسكرية يقع على الحدود الشمالية لمدينة رام الله)، الذي يقضي بفصل مدينة القدس عن انتدابها في الضفة الغربية إداريا وماليا. 

وفيما يتعلق بالقرار الإسرائيلي بالإشراف على جهاز التربية والتعليم الفلسطيني في المدينة المقدسة، قال الدكتور الحوراني لعربي 21؛ إن هذه المحاولة الجديدة تأتي استمرارا لمحاولات سابقة وتطبيقا لقانون إسرائيلي يحمل رقم 564 لعام 1969م، الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية ووافق عليه الكنيست، ويقضي بحق إشراف كل من وزارة المعارف الإسرائيلية على التعليم بالمدينة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، وهذا القانون هو الذي يعتمد عليه الإسرائيليون في تبرير قرارهم الأخير بشأن السيطرة على جهاز التعليم الفلسطيني ومحاولة تهويده. ولا يستغرب المرء هذه السياسة "الإسرائيلية" بحق التعليم العربي ومؤسساته في القدس، بعد أن يسمع بالأمنية الشهيرة لـ"تيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية، التي يقول فيها: "إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيّا وقادرا على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا فيها ـ أي ليس يهوديّا ـ وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون"، وهذا ما كان في كل شيء ومنه النظام التعليمي في القدس.

فلسطين قضية عربية 

يتسم فكرالدكتور الحوراني بالانفتاح على المدارس الفكرية العالمية والعربية، ويتبنى فكرة العروبة التي تتسم بنزعة إنسانية كونية قوية، وارتبط نشوؤها بمفهوم إيجابي لا نزال نردده إلى اليوم ،هو عصر الحداثة بكل منطوياتها الفكرية والثقافية والسياسية، منذ بداية عصر النهضة الأوروبية أو الانبعاث الأوروبي في القرن السادس عشر، وما رافقه من ازدهار في الآداب والفنون والعلوم وجميع أشكال التغير الإيجابي والتقدم والإبداع. 

 

لقد كان من صلب المشروع الإمبريالي ـ الصهيوني، أن تتعامل قيادات الأقطار العربية مع كل قطر باعتباره وطناً، وأن تتعامل قيادات الطوائف كل باعتبار طائفتها "وحدة تامة"، فإذا ما انسجمنا مع هذا المطلب، انسجمنا مع المخطط الإمبريالي ـ الصهيوني.

 



فقد مثلت العروبة للحوراني بداية اكتشاف العرب أو مثقفيهم للعالم الحديث الصاعد من حولهم، وما يعنيه من تطور للعلوم والتقنيات والنزعات العقلية والأخلاقية، وإعادة توجيه العرب نحو الفكرة الكونية والإنسانية بما تشتمل عليه من قيم ومعايير اجتماعية. فكانت أداة لتجديد التراث وإحياء القيم الزمنية المدفونة، والعودة إلى العلوم العقلية وتجديد التراث العربي القديم نفسه عن طريق الاجتهاد العقلي والإصلاح الديني.

ويحدد الدكتور الحوراني في لقائه مع "عربي21" رؤيته وإيمانه العميق بالقضية الفلسطينية، من كونها قضية قومية عربية وإسلامية، لا قومية سورية أو فلسطينية. وهذا يعني أن احتلال فلسطين، ليس اعتداء على فلسطين حدود سايكس ـ بيكو، ولا على سكان فلسطين الذين صورتهم خريطة الاحتلال البريطاني. إنه اعتداء على العالم العربي كله، إذا اعتبرنا العالم العربي واحدا، والأمة العربية واحدة، رغم حدود سايكس ـ بيكو وكل حدود الاحتلال الاستعماري.

من وجهة نظر الحوراني، المشروع الصهيوني لم يقم من أجل فلسطين، بل قام فيها ليحقق أهدافه العربية، ومنها تثبيت التقسيم الكولونيالي، وحفظ المصالح الاستعمارية والإمبريالية، ومنع تحقيق الوحدة القومية والتحرر السياسي والاجتماعي. ومن ثم، فإن تحرير فلسطين ليس شأنا فلسطينيا، إنه شأن عربي. إلا إذا اعتبرنا خريطة سايكس ـ بيكو حدود وطن. فإذا ما وصلنا إلى هذه القناعة، لم تكن هناك حاجة للحديث عن معركة قومية عربية، ولا عن علاقة جدلية وغير جدلية، وبات معنى الكفاح المشترك، مثل معنى الكفاح المشترك بين العرب والهنود والكوبيين. فهل هذا هو معنى الكفاح المشترك بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي؟

ولقد كان من صلب المشروع الإمبريالي ـ الصهيوني، أن تتعامل قيادات الأقطار العربية مع كل قطر باعتباره وطنا، وأن تتعامل قيادات الطوائف كل باعتبار طائفتها "وحدة تامة"، فإذا ما انسجمنا مع هذا المطلب، انسجمنا مع المخطط الإمبريالي ـ الصهيوني.

ولما كانت فلسطين لا تحرر فلسطينيا، فإن تغليب القطري، يعني فقط البحث عن تسوية مذلة. وهذا ما تفعله القيادات العربية الراكضة وراء التطبيع مع الاحتلال الصهيوني. وما دام الفلسطيني لا يستطيع هزيمة الصهيوني هزيمة ساحقة وحده، لأن المشروع الصهيوني جزء من المشروع الإمبريالي، ولأن المعركة هي معركة هزيمة الإمبريالية الأمريكية أساسا، والكيان الصهيوني باعتباره جزءا من الهيمنة الإمبريالية، ولأن المستوطنين الصهيونيين في أرض فلسطين أكثر عددا من عرب فلسطين الباقين في أرضهم، وبسبب التفوق الصهيوني العسكري إلخ.. فإن الحل، بالنسبة للعالم لا يعدو أن يكون "تسوية" في أحسن الأحوال، إذا أصبح النضال الفلسطيني جديا، إلى درجة تسمح بفرض تسوية، وإذا ساعد الوضع العربي والدولي في ذلك. أما عندما تطرح القضية على أنها قضية أربعة مئة مليون عربي في سنة 2020، فإن الأمر يختلف، ويصبح التحرير واردا، والانتصار حتميا.

ولذلك فإن الحل الصحيح هو الحل القومي، والحل القومي يجب أن يغلب، لأنه الحل الوطني الوحيد. أما الحل القطري فهو التصفية للقضية الفلسطينية، وهو ليس حلا وطنيا.

في نقض الفلسطينية كـ "هوية قومية"

في زمن عربي رديء، يتسم بهزيمة المشروع القومي العربي التحرري أمام المشروع الإمبريالي والمشروع الصهيوني، وبروز سلطة فلسطينية، تحاول أن تجعل الفلسطينية "هوية قومية"، وتتحدث عن حدود فلسطين باعتبارها حدود وطن، وسمات الفلسطينيين باعتبارهم أمة، يتميز فكر الدكتور الحوراني فيما يتعلق بهوية فلسطين الحقيقية بتمسكة بالثوابت الوطنية و القومية. فهو يعارض طرح الفلسطيني مقابل العربي، وطرح قضية فلسطين خارج قضايا العرب وفوقها، وتكريس الشعور بتفرد الفلسطينيين وعزلتهم، وترفع بعض القيادات صيحة "يا وحدنا"، أو اعتبار بعض القيادات أن المشكلة الرئيسة للفلسطينيين هي مشكلة الوصاية العربية، هكذا ودون تفريق!
 
ينتقد الحوراني مثل هذه المواقف، ويعتبرها نتاج عوامل عدة، منها: 

1 ـ حرص أصحاب المصالح القطرية الفلسطينية على الدفاع عن مصالحهم. 

2 ـ حرص القوى العربية القطرية على تنمية القيادة القطرية الفلسطينية للوقوف في وجه أي مشروع قومي عربي تحرري. 

3 ـ وحرص الإمبريالية والصهيونية على ضرب الحركة القومية، وتنمية كيانية صغيرة قابلة للتكيف.

4 ـ وفشل الأنظمة والقوى القومية في انتهاج أسلوب صحيح وفعال في التعامل مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين.

مقاومة التطبيع حين تسكت المدافع 

في زمن سكوت المدافع العربية، وقعت إسرائيل عدة إتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية، مصر عام 1979، والأردن عام 1994، وفي سنة 2020، حصل التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان .
 
في هذا السياق، يؤكد الدكتور الحوراني في لقائه مع "عربي21" أنَّ التطبيع مع سلطات الاحتلال الصهيوني يُعَدُّ من أخطر أهداف ما يسمى عملية السلام، ذلك أن التطبيع هو المفتاح والبوابة لاقتحام العالم العربي والإسلامي والسيطرة على قراره وتسخير إمكاناته المادية والبشرية. ومن هنا، فإن التطبيع شكل من أشكال السيطرة بعيدا عن الشكل التقليدي المتمثل بالاحتلال العسكري، بل هو أخطر من الاحتلال العسكري؛ فالتطبيع يسعى إلى إختراق العقل العربي وإعادة صياغته ليتقبل هذا الشكل من العلاقة مع عدوه، مسهلا له سيطرته على القرار والسيادة والإمكانات الوطنية، راضيا بهيمنة هذا العدو والتبعية له.

من وجهة نظر الدكتور الحوراني، استشعر اتحاد الكتاب العرب ومعه النقابات المهنية والأحزاب العربية المعارضة، الدور الخطير للتطبيع مع سلطات الاحتلال الصهيوني؛ على إعتبار أن التطبيع  هو رأس الرمح الذي سينغرس في قلب الأمة العربية، ليعلن انتهاء دورها ووجودها وإحكام السيطرة الأمريكية ـ الصهيونية على مقدراتها وثقافتها، وتسخير شعوبها؛ فقد اضطلع اتحاد الكتاب العرب في سوريا بدور رائد في مقاومة التطبيع منذ عهد رئيسه السابق الدكتور علي عقلة عرسان، وأسهم في نشر الثقافة والفكر المناهض للتطبيع، إضافة إلى دوره في إيجاد رأي عام مؤثر ومتجانس تجاه بعض القضايا القومية، وفي مقدمتها النضال من أجل صون القضية الفلسطينية من خطر التصفية الداهم وتهويد القدس.

وأعطى اتحاد الكتاب العرب أهمية بالغة لمقاومة التطبيع من أجل تحقيق الأهداف التالية:

ـ إحياء روح المقاومة لدى أبناء الأمة العربية وإذكاء الحس الوطني والقومي والإنساني للانخراط في استراتيجية المقاومة العربية للوجود الأمريكي ـ الصهيوني الجاثم على أرض العرب، ومؤازرة الشعب العربي الفلسطيني الذي يتصدى لآلة الحرب الصهيونية الهمجية بأجساده العارية؛ دفاعا عن أرضه وكرامته ومقدساته.

ـ الدفاع عن الشركات الوطنية وحمايتها من المنافسة الإسرائيلية، من خلال فضح العديد من اختراقات رأس المال الإسرائيلي للأسواق العربية، عبر يافطات بعض الشركات التي تحمل أسماء أجنبية وبعضها أسماء عربية.

ـ رفض المؤتمرات التطبيعية الاقتصادية والمعارض الصهيونية التي تقام في بعض الدول العربية، والتي من شأنها تعبيد الطريق لبناء السوق الشرق أوسطية كبديل للسوق العربية، ولجعل الكيان الصهيوني مقبولا ومنتميا تاريخيا وجغرافيا وثقافيا إلى هذه المنطقة.


التعليقات (0)

خبر عاجل