كتاب عربي 21

الدبلوماسية القصوى.. هدايا بايدن لإيران مبكّراً

علي باكير
1300x600
1300x600

يحتدم الجدل حالياً بين الولايات المتّحدة وإيران حول كيفية العودة إلى الاتفاق النووي، ويفسّر البعض خطأً هذا الجدل على أنّه خلاف على المضمون، لكن الحقيقة أنّ أحداً لم يشر إلى عدم رغبته في العودة إلى الاتفاق. كل ما هنالك أنّ الاختلاف يدور حول الشكليّات المتعلّقة بتوقيت العودة إلى الاتفاق النووي، ومن هو الطرف الذي من المفترض أن يتّخذ الخطوة الأولى في هذا الاتجاه. 

في بداية شهر شباط (فبراير) الجاري، قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي إنّ إيران ربما تكون على بعد أسابيع فقط من امتلاك المواد اللازمة لقنبلة نووية إذا واصلت خرق الإتفاق النووي. قد يُفهم من هذا التصريح أنّه تحذير، لكنّ المقصود به هو تحضير الأرضية اللازمة للاتفاق مع إيران خلال أسابيع قليلة على أبعد تقدير. 

المعارضون لمثل هذه الخطوة في الولايات المتّحدة وفي المنطقة سيشجبون بقوّة اندفاع إدارة بايدن لاتخاذ مثل هذا القرار، لكن ذريعة الإدارة الأمريكية ستكون جاهزة في حينه. "لقد كانت إيران على بعد أسابيع من إمتلاك المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية، وقد حرمناها من هذا الأمر، وتراجع خطرها" ستقول الإدارة الأمريكية.  

 

سبق لبادين أن كشف كل أوراقه عندما وعد بالعودة إلى الإتفاق النووي. وفي حقيقة الأمر، هناك من يدعو اليوم إلى اعتماد سياسة "الدبلوماسية القصوى" للتعامل مع إيران بدلا من سياسة "الضغط الأقصى". لم يتأخر بايدن إطلاقاً، فخلال الأيام الأولى من تولّيه الرئاسة، بدأ بإرسال الهدايا إلى إيران.

 



المفارقة أنّ إدارة بايدن لم تلغ حتى الآن أيا من العقوبات التي كان ترامب قد أنفذها تحت إطار سياسة "الضغط الأقصى"، وهو اعتراف ضمني بأنّ هذا الخيار لم يكن خطأً بدليل أنّ الديمقراطيين يحاولون توظيفه الآن لدفع إيران للعودة إلى الاتفاق. لكن هل هذا يعني أنّ سياسة الضغوط الأقصى ستستمر؟ بالطبع لا. فبايدن كان في صلب الاتفاق الذي جرى سابقاً، وسيكون من العبث بمكان افتراض أنّه لا يريد هذا الاتفاق. 

 

لقد سبق لبايدن أن كشف كل أوراقه عندما وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي. وفي حقيقة الأمر، أن هناك من يدعو اليوم إلى اعتماد سياسة "الدبلوماسية القصوى" للتعامل مع إيران بدلا من سياسة "الضغط الأقصى". لم يتأخر بايدن إطلاقاً، فخلال الأيام الأولى من تولّيه الرئاسة، بدأ بإرسال الهدايا إلى إيران. 

أولى الهدايا التي قدّمتها إدارة بايدن لطهران تمثّلت في تعيين روبرت مالي مبعوثاً خاصّاً لإيران. في عهد إدارة أوباما، شغل مالي منصب عضو في مجلس الأمن القومي، وسرعان ما أصبح مسؤولاً فيما بعد عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. شارك مالي في مفاوضات الملف النووي الإيراني وكانت له أدوار متعدّدة في ملف مكافحة "داعش" كذلك. 

خلال تلك الفترة، عارض مالي بشدّة دعم المعارضة السورية، كما أنه قاوم الضغوط بشأن ضرورة اتّخاذ إجراءات عقابية ضد نظام الأسد لا سيما بعد إستخدامه الأسلحة الكيماوية وتجاهله الخطوط الحمر التي رسمها أوباما بذريعة أنّ ذلك من شأنه أن يقوّض المفاوضات التي كانت تجري آنذاك مع إيران بشأن الاتفاق النووي.

ليس هذا فقط، بل ووفقاً لبعض من عرفوا مالي، فقد كان متحيّزاً هو الآخر ضد العرب السنّة، تماماً كما كان عليه الحال مع المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد "داعش" برت ماكغورك الذي عمل مع المليشيات الكردية والشيعية والحرس الثوري في العراق وسوريا لتأمين الدعم الأمريكي اللازم لهذه الجماعات في المعركة مع "داعش" بالرغم من العداء المفترض بينها وبين واشنطن، وتمّ تعيينه هو الآخر مؤخراً في منصب منسّق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي. 

علاقات مالي الجيدة مع النظام الإيراني لا تقف عند حدود البرنامج النووي، إذ إن هناك من يشير إلى أنّ للرجل علاقات مع بعض أذرع إيران في المنطقة كحزب الله في لبنان. عندما خرج مالي من وظيفته الرسمية ترأّس "مجموعة الأزمات الدولية" وعمل كثير من المقربين لإيران فيها للترويج لعلاقات أفضل مع إيران، وعملت المجموعة كمنصّة لتطوير علاقات العمل الأمريكية مع إيران بشكل غير رسمي. حملت مخرجات المجموعة أيضاً مواقف منحازة حيثما تناولت مواضيع تتعلق بإيران ونفوذ إيران في المنطقة بما في ذلك اليمن.

 

وفقاً لبعض من عرفوا مالي، فقد كان متحيّزاً هو الآخر ضد العرب السنّة، تماماً كما كان عليه الحال مع المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد "داعش" برت ماكغورك الذي عمل مع الميليشيات الكردية والشيعية والحرس الثوري في العراق وسوريا لتأمين الدعم الأمريكي اللازم لهذه الجماعات في المعركة مع "داعش" بالرغم من العداء المفترض بينها وبين واشنطن

 



عندما رشّحت إدارة بايدن مالي لمنصبه الجديد، انهالت الانتقادات عليه نظراً لموقف الرجل المعروف من إيران. للدفاع عن هذا التشريح، ركّزت وسائل الاعلام الأمريكية على الانتقادات الإسرائيلية الموجّهة للرجل للقول بأنّها متطرّفة ومنحازة هي الأخرى في الاتجاه الآخر، لكنّها تجاهلت إلى حدّ كبير انتقادات الرهائن الغربيين الذين احتجزوا في وقت سابق في إيران، كما أنها تجاهلت سجلّ مالي السيّئ في سوريا.  

قبل عدّة أيام فقط، تمّ تسريب أخبار تقول إنّ مالي كان لديه مواقف متشدّدة في التفاوض مع إيران، لكن كان من الواضح أنّ هذه الحركة تهدف إلى تسويق صورة مختلفة لمالي. لم يأخذ أحد بمثل هذه المزاعم خاصة بعد أن رحّبت العديد من الدوائر داخل إيران بترشيحه. قيل كذلك بأنّ بايدن طلب أن يضم فريق مالي كل الاتجاهات بما في ذلك المتشددون في مواقفهم من إيران أو الصقور وذلك لتحقيق إجماع على أي خطوات تجاه طهران، لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الخطوة تهدف إلى ضمان الحصول على شرعيّة للقرارات التي سيتم اتخاذها أكثر ممّا تهدف إلى تشديد شروط العودة للاتفاق. 

هدايا بايدن لإيران خلال أقل من شهر على تولّيه السلطة لم تقف عند هذا الحد، إذ سارعت إدارته إلى مراجعة إدراج جماعة الحوثي على لائحة الإرهاب وهو القرار الذي كانت إدارة ترامب قد اتّخذته سابقاً. كما أعلن الرئيس الأمريكي أنّه سينهي الدعم المقدّم للتحالف العربي لوقف الحرب في اليمن دون أي إشارة إلى أي جهد لمكافحة جماعة الحوثي. 

الهديّة الثالثة هي غياب الحديث عن سوريا في خطاب بايدن الأخير والذي رسم فيه معالم سياساته الخارجيّة، إذ لم تتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى نظام الأسد أو إلى الحرب في سوريا علماً بأنّه أشار إلى الوضع في اليمن وقال إنّه سينهي الحرب هناك ويدفع باتجاه الحل السلمي، وهو ما أعاد إلى الأذهان أيضاً سياسات أوباما السابقة التي ضحّى خلالها بسوريا والعراق لصالح طهران لضمان الحصول على اتفاق مع إيران.

وأخيراً، لم تنتقد إدارة بايدن حزب الله في لبنان بعد اغتيال لقمان سليم، المعارض الشرس لحزب الله والنفوذ الإيراني في لبنان، وقام وزير الخارجية الأمريكية بإدانة مقتل لقمان دون أي إشارة أو تحذير أو ضغط على حزب الله علماً بأنّ الخارجية الأمريكية لم تترك أحداً الأسبوع الماضي إلاّ ووجّهت له انتقادات وتحذيرات بما في ذلك تركيا!  
 
@alibakeer


التعليقات (0)