قضايا وآراء

الإنجازات التي تحفز الأسد لإعادة انتخابه

غازي دحمان
1300x600
1300x600
لا تهتم الأنظمة الديكتاتورية غالباً بالانتخابات، وهي بالأصل لم تصل للسلطة نتيجة هذه العملية، فإما أنها تستولي على السلطة عبر الانقلاب، أو تكون سليلة نظام حصل على السلطة بالقوّة، أما المسرحيات الانتخابية التي تجريها هذه الأنظمة فتكون موجهة للعالم الخارجي، الذي يحتاج إلى أي سند شكلي للاعتراف بالنظام والإبقاء على التعاملات السياسية والاقتصادية معه.

لكن نظام الأسد يختلف عن الأنظمة الديكتاتورية بكونه لم يصل مرّة واحدة من تاريخ حكم "الأب والابن" على مدار الخمسين عاماً الماضية، إلى مستوى النظام الديكتاتوري، بل بقي تشكيلا مافياويا يرتكز في استمرار سلطته على توليفة من أساليب الترهيب والترغيب.

حتى العالم الخارجي، لم يتعامل مع الأسد وسلطته إلا من منطلق كونها عصابة حاكمة، لذا اقتصرت العلاقات معه على الضروري جداً، وغالباً جرى تكليفه بالملفات القذرة في المنطقة التي يصعب حتى على الأنظمة الديكتاتورية القبول بها.
العالم الخارجي، لم يتعامل مع الأسد وسلطته إلا من منطلق كونها عصابة حاكمة، لذا اقتصرت العلاقات معه على الضروري جداً، وغالباً جرى تكليفه بالملفات القذرة في المنطقة التي يصعب حتى على الأنظمة الديكتاتورية القبول بها

ولكي تضمن هذه العصابة استمرار حصولها على الاعتراف الدولي، تجد نفسها مضطرة لاستخدام أدوات السياسة الحديثة، التي تشكل الانتخابات بمختلف مستوياتها أداتها الأكثر أهمية، لذا فإن عصابة الأسد تجري انتخابات برلمانية ومجالس محلية ورئاسية، من دون أن تعكس هذه الانتخابات أي ديناميكيات جديدة على حياة السوريين، كونها مجرد لعبة تصنعها الأجهزة ولا يشارك فيها من السوريين سوى أولئك الذين يقعون تحت نظر العصابة، كالموظفين والمرتبطين بمؤسسات العصابة.

ثمّة شروط "معنوية" عديدة لإعادة انتخاب رئيس لمرة جديدة منها:

- أن يكون قد تم انتخابه بالأصل في الفترة السابقة، فمن غير المعقول أن رئيساً وصل للسلطة بطرق غير ديمقراطية المطالبة بإعادة انتخابه، والأصل إذا أراد الاستمرار في السلطة أن يعتبر نفسه أنه فوق الانتخابات، كما فعل معمر القذافي الذي يعتبر الأكثر وضوحاً ضمن هذه الفئة من الحكّام.

- أن يكون قد صنع إنجازات يباهي بها ويستند عليها في طلبه من الجمهور إعادة انتخابه، لأن الانتخاب أمر طوعي ولا يمارسه الشخص إلا عن قناعة، وإعادة انتخاب رئيس سابق هي اعتراف لهذا الرئيس بإنجازاته التي استفاد منها المجتمع، وتقدير له على هذه الإنجازات.

ترى ماذا صنع الأسد خلال مرحلة حكمه، في العشرين عاماً الماضية، يصلح للاتكاء عليه، وجعل الناخب يقتنع بإعادة انتخابه مرّة جديدة؟

إذا استعرضنا قائمة الدمار والخراب الذي أحله بشار الأسد بالسوريين، فالجواب الطبيعي أن هذا الشخص لن ينتخبه أي أحد سوي وطبيعي في سوريا، فقط المازوخيين الذين يحبون تعذيب ذواتهم وتحقيرها. فهل يراهن الأسد على أن السوريين، وبفضل سنوات الجحيم التي عاشوها في ظله، تحولوا إلى مازوخيين وسيُقبلون على إعادة انتخابه؟
الجواب الطبيعي أن هذا الشخص لن ينتخبه أي أحد سوي وطبيعي في سوريا، فقط المازوخيين الذين يحبون تعذيب ذواتهم وتحقيرها. فهل يراهن الأسد على أن السوريين، وبفضل سنوات الجحيم التي عاشوها في ظله، تحولوا إلى مازوخيين وسيُقبلون على إعادة انتخابه؟

لم تسلم عائلة واحدة في سوريا من الكارثة التي صنعها بشار الأسد، إذ يتقاسم من عارضه ومن وقف إلى جانبه المصائبَ، ويدرك جميع هؤلاء أن أي خيار آخر أفضل من استمرار الأسد في حكم سوريا، ليس عقاباً له على ما فعل بسوريا، بل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث لا أمل في تغيير الأوضاع الراهنة، من الفقر والقهر والتسلط، سوى بإخراج الأسد وتوابعه من السلطة.

لقد عبّر مواطنو السويداء عن هذه الحقيقة عبر رفعهم لشعار"لا تترشح يا مشرشح"، ليس ذلك وحسب، بل رأينا في الفيديوهات التي تم نشرها عن لقاء وفد الأسد مع الوجهاء في السويداء كيف أنهم باتوا يتعاملون مع الأسد بوصفه زعيم مليشيا أو عصابة، مثله مثل زعماء المليشيات التي تنتشر في مناطق حكمه. ومن موقعه هذا لا يحق له التطاول على وجهاء لهم شرعية اجتماعية تفوق شرعيته القائمة على الإرهاب واللصوصية.

من المفارقة خوض زعيم مافيا انتخابات عامة، ذلك أنه ليس بحاجة لهذه الانتخابات طالما هو يحكم بالبارودة، وطالما أن المحكومين لم يستطيعوا إسقاط هذه البارودة بعد، لأسباب ليس هنا المجال لذكرها. كما لا يحتاج السوريون لمثل هذه الانتخابات، ذلك أن الانتخابات تقوم على احتمالات الفوز والخسارة، وهذا ما يحفز الجمهور على المشاركة بكثافة فيها، كما حصل في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، أما وأن النتيجة معلومة سلفاً فإنها تفقد حتى مجرد الحافز للمشاركة في هذه اللعبة السمجة.

إن دلت انتخابات الأسد على شيء، فهي تدل على أن العالم ربما لم يشبع بعد من منظر المقتلة السورية، لذا يقف صامتاً إزاء هذه المهزلة. فلا يكفي عدم اعتراف أغلب دول العالم بهذه الانتخابات، ما دام استمرار الأسد في السلطة لزمن قادم، يشكل خطراً وجودياً، ليس على السوريين وحدهم، بل على الأمن والسلم العالمي برمته.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)