قضايا وآراء

هذا ما يحتاجه الشعب الفلسطيني الآن

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
بعد هزيمة حزيران/ يونيو 67 النكراء، وبعد أن أفاق الشعب المصري من هول الصدمة، وكعادة المصريين الذين دائماً ما يسخرون من مآسيهم بالنكات، أخذوا يطلقون النكات الكثيرة، ليفرغوا بها شحنة الغضب داخلهم. وهناك نكتة شهيرة في ذلك الوقت؛ أن المذيعة "آمال فهمي" قابلت في برنامجها الشهير "على الناصية"، الملك الحسين، ملك الأردن، وفي نهاية اللقاء سألته السؤال التقليدي للبرنامج: تحب جلالتك تسمع أغنية إيه؟ فقال لها: "اللي شبكنا يخلصنا" لعبد الحليم حافظ، وطبعا مفهوم أنها كانت موجهة للرئيس جمال عبد الناصر، الذي ورطه في الحرب..

تذكرت تلك المزحة، وأنا أرى حركة "حماس" مندفعة بكل قواها إلى تلبية دعوة رئيس سلطة التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، "محمود عباس"، إلى الانتخابات، وتنازلها عن شرطها الأساسي الذي قطعته على نفسها بأن تكون انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني متزامنة، وقبلت بأن تكون متعاقبة كما يريد جنابه؛ وكأن لسان حالها يردد مقطع أغنية حليم: "اللي شبكنا يخلصنا"، فالذي شبكنا وورطنا في انتخابات 2006 عليه أن يخلصنا منها ويخرجنا من المأزق والحصار الظالم على قطاع غزة، ولو كان الخلاص عن طريق الانتخابات، وعلى يد مَن ساعد على حصارهم وتجويع أهالي غزة ومنع الأموال عنهم، وقطع رواتب الموظفين في القطاع، كمن يرمي نفسه في النار هرباً من الغرق في البحر!!

والحقيقة أن الذي ورط "حماس" هي حماس ذاتها، وقبولها أن تكون جزءا من العملية السياسية، التي أفرزتها اتفاقية "أوسلو" الملعونة، وهي حركة مقاومة تحمل عبء القضية الفلسطينية، وتتمسك بالثوابت الوطنية التي فرطت فيها حركة فتح، وأدت إلى ما نحن عليه الآن من ضياع الحق الفلسطيني..
الذي ورط "حماس" هي حماس ذاتها، وقبولها أن تكون جزءا من العملية السياسية، التي أفرزتها اتفاقية "أوسلو" الملعونة

لا توجد حركة مقاومة في العالم، على مدار التاريخ، دخلت في حلبة السياسة، وبلادها لا تزال تنزح تحت براثن الاحتلال، ولكن دخلتها بعد أن حررت بلادها، وانتهى دورها كحركة مقاومة ضد الاحتلال، ليصبح دورها سياسياً في المحافظة على استقلال بلادها..

ولكن حماس تعجلت الدخول إلى عالم السياسة، بعد أن أجبرت "شارون" على الانسحاب من غزة تحت ضربات المقاومة الباسلة عام 2005، وكي لا نظلم حماس ونتحامل عليها أكثر، فكفى ما هي فيه من ضغوط ومعاناة، فلنحاول أن نجد لها عذراً، فربما خشيت على هذا الإنجاز العسكري المهم من أن تضيعه سلطة "أوسلو"، التي أضاعت ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية في الضفة، فأرادت أن تكون أمينة عليه، أو حارساً له، وتكون لها شرعية سياسية؛ تمكنها من أداء هذا الدور المهم.

ومن المؤكد أن هناك دولاً كثيرة شجعتها على اتخاذ تلك الخطوة، بعضها دول صديقة تدعم المقاومة، ودول أخرى مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي الذين أرادوا من خلال انخراطها في السياسة، أن تترك المقاومة وتتخلى عن سلاحها، فدخلت انتخابات 2006 بعدما أخذت الضمانات من تلك الدول، وفازت فيها، وعرضت على حركة فتح المشاركة في تشكيل الحكومة، ولكنها رفضت، ووضعت كافة العراقيل أمامها، وتكالب عليها القريب قبل البعيد، وهذا ما لم تحسبه حماس جيداً قبل اتخاذ قرارها الكارثي، لتعيش في دوامة الحصار والحروب خمسة عشر عاماً..

لقد وافق الكيان الصهيوني، على مضض، على إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، تحت ضغط إدارة "جورج بوش" الابن، وحينما فازت "حماس" لاموا "بوش" لأنه أخطأ بإجبارهم على إتمام الانتخابات، وأنهم أخطأوا أيضا حينما رضخوا لهذا الضغط الذي شمل فرض إجراء الانتخابات في القدس أيضا، فلماذا لا تعترف "حماس" أيضا بأنها هي الأخرى أخطأت بخوضها الانتخابات؟!

قد يتدارك الكيان الصهيوني خطأه هذا في الانتخابات الحالية، فيمنعها قبل أن تبدأ، وهنا يكون عباس قد وصل لغايته، فسيظهر أمام العالم الرجل الديمقراطي الذي أراد انتخابات حرة ولكن سلطة الاحتلال منعته، وربما يتم ذلك بالتنسيق معه، لتظل الأوضاع على ما هي عليه لأمد بعيد، ليتمكن الكيان من ابتلاع باقي أراضي الضفة، وتصفية القضية الفلسطينية، ويظل "عباس" رئيساً مدى الحياة!!
قد يتدارك الكيان الصهيوني خطأه هذا في الانتخابات الحالية، فيمنعها قبل أن تبدأ، وهنا يكون عباس قد وصل لغايته، فسيظهر أمام العالم الرجل الديمقراطي الذي أراد انتخابات حرة ولكن سلطة الاحتلال منعته

وقد لا يلجأ الكيان الصهيوني إلى اتخاذ موقف صريح، يظهره بأنه ضد إجراء الانتخابات، ولكنه سيضع شروطاً تعجيزية وسيتخذ إجراءات معرقلة، وغالباً سيعود إلى شروط الرباعية القديمة الخاصة، بعدم الاعتراف بأي حكومة فلسطينية بمشاركة "حماس"، إلا إذا اعترفت هذه الحكومة بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة، ونبذت ما يسمى الإرهاب!!

فهل حماس على استعداد لتقديم ذلك الاعتراف؟! أجزم بأن هذا لن يحدث أبداً، ولن تُقدم حماس على تلك الخطوة ولو علقوا المشانق فوق رؤوسها..
 
لا شك أن "حماس" في مأزق شديد، ولكن ليس الحل للخروج منه أن تهرب إلى الأمام، وتقامر بآخر ورقة في يدها!

وإذا كان دخولها انتخابات 2006 يعد خطأ كبيراً، فإن دخولها الانتخابات هذه المرة يعتبر خطيئة كبرى لا تُغتفر.. 

دعك مما قاله الناطق باسمها "حازم قاسم" من أنه "على الرغم من أن حماس كانت ترغب في انتخابات متزامنة، إلا أنها وافقت على الجدول الزمني الذي حدده عباس لمصلحة الوحدة"، وأن "هناك العديد من القضايا التي لا بد من حلها ما بين الآن وبدء الانتخابات"..

مثل هذه التصريحات التي تصدر من قادة "حماس"، كل فترة وأخرى هي للاستهلاك العام فقط، أو كما يقولون "طق حنك"، ولكنها لا تنبع من ضمائرهم وقناعاتهم، ولذلك لا تنطلي على أحد ولا يصدقها عاقل؛ فأية وحدة هذه التي يتكلم عنها "قاسم"، والتي ستجلبها الانتخابات؟ إذ إن الانتخابات السابقة كانت سر البلاء والشقاء، والسبب الرئيس في انقسام الشعب الفلسطيني!

وإذا كانت هناك قضايا معلقة بينهم وبين "عباس"، ألم يكن من الأجدر حلها قبل الموافقة على إجراء الانتخابات؟ فكيف تتم الانتخابات قبل التوافق الوطني؟ ولماذا لم يذكر لنا ما هي تلك القضايا المعلقة؟ وما موقف "عباس" من المقاومة وسلاحها؟ وهل غير رأيه تجاهها؟!
إذا كانت هناك قضايا معلقة بينهم وبين "عباس"، ألم يكن من الأجدر حلها قبل الموافقة على إجراء الانتخابات؟ فكيف تتم الانتخابات قبل التوافق الوطني؟

كلنا يعرف رأي عباس في المقاومة، فالرجل لا يخفيه، بل دائما ما يصرح به، بمناسبة ودون مناسبة، فهو بلا مواربة ضد المقاومة، ويسخر من صواريخها ويعتبرها "إرهاباً"، ويلاحق رجال المقاومة ويبلغ عنهم سلطات الأمن بدولة الاحتلال، لتعتقلهم وتقتلهم. أليست هذه هي مهمته المقدسة لدى الكيان الصهيوني؟! ألم يهدد ويتوعد حماس بنزع سلاحها، وخاصة بعد أن تنازلت حماس عن رئاسة الحكومة من ضمن تنازلاتها الكثيرة التي قدمتها له؟ ولكن للأسف دون أن تقابل بأي خطوة إيجابية من ناحيته. ولعل آخر ما قاله في هذا الشأن، ولن يكون الأخير بالطبع، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، بتعهده على محاربة الإرهاب، ومعروف ماذا يقصد بالإرهاب في فلسطين! وهو يعلم أن أمريكا والغرب عامة والكيان الصهيوني، يصمون المقاومة بالإرهاب، ويضعون حماس في لائحة ما تُسمى المنظمات الإرهابية، ولكنه أراد أن يغازل الصهاينة والغرب بهذه الطريقة الوقحة..

إن تنازل حماس هذه المرة وتخليها عن شرطها بإجراء انتخابات للمجلس الوطني متزامنة مع الانتخابات التشريعية والرئاسية، يُدخلها في مغامرة كبيرة قد تفقدها مكانتها في غزة تماماً. فالانتخابات هذه المرة غير سابقتها، والتي لن تتكرر؛ فهي تدخلها في ظل حصار خانق والتضييق على المقاومة في غزة والضفة، ولم يغب عن ذاكرة الفلسطينيين بعد، ما حدث لنوابها وكوادرها في الضفة، بعد انتخابات 2006، من اعتقالات وتعذيب داخل السجون الصهيونية، والتي طالت حتى رئيس المجلس التشريعي نفسه، فلم يعصمه منصبه المُهاب والمُحصن في كل دول العالم من المذلة والمهانة والسجن!!

وما الذي يطمئن حماس أن الانتخابات ستُجرى بشفافية ونزاهة وستكتمل للنهاية، دون تدخل داخلي من عباس وحركة فتح، أو خارجي من الكيان الصهيوني ومواليه، في المنطقة من الدول المطبّعة حديثاً، والتي تملك خزائن الأرض، وعلى استعداد لصرفها كلها كي لا تفوز حماس؟
 
ليست هناك ضمانات حقيقية، ولم تقدم السلطة أي إجراء يشير إلى حسن نواياها، بل العكس تماماً، ما أقدم عليه عباس مؤخراً، من تغيير قانون الانتخابات، يثير كثيراً من الشك والريبة في نزاهة الانتخابات. ألم يتفطن قادة حماس إلى أن هذه الانتخابات محسوم أمرها قبل أن تبدأ، وأنها مجرد مسرحية سخيفة ومكررة، مثل المسرحيات التي تجرى في البلاد العربية، لإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وتفويض جديد لمحمود عباس؟!

وهو كما أصدر مراسيم الانتخابات، يستطيع بجرة قلم إصدار مراسيم أخرى مضادة بإلغائها، تماماً مثلما أقدم على حل المجلس التشريعي، وأسس لمجلس وطني وآخر مركزي على مقاس السلطة وسياستها..

ليس هناك أحد، أكان فلسطينيا أو غير فلسطيني، لا يتمنى أن ينتهي الانقسام الفلسطيني، ليتوحد الجسد الفلسطيني بكافة فصائله في مواجهة الاحتلال، لكن ليست الانتخابات هي الطريق الذي سيصل بنا إلى منتهانا، إنما الطريق السليم الذي يوصلنا ويجب أن ينتهجه الفلسطينيون، هو العمل الدؤوب على التوافق على مشروع وطني جامع، له برنامج سياسي جديد، يواجه التحديات الكبرى التي تقابل القضية الفلسطينية، في ظل متغيرات دولية وعربية شديدة التعقيد..
ليست الانتخابات هي الطريق الذي سيصل بنا إلى منتهانا، إنما الطريق السليم الذي يوصلنا ويجب أن ينتهجه الفلسطينيون، هو العمل الدؤوب على التوافق على مشروع وطني جامع، له برنامج سياسي جديد، يواجه التحديات الكبرى

لم يمر الفلسطينيون، منذ نكبة 1948، بحالة ضياع وانهيار على جميع المستويات، كما يحدث الآن، ولن يوقف هذا الانهيار ويمنعه من السقوط إلا قيادات شابة، لم تلوثها السياسة ولا المال بعد، لذلك كان ضرورياً انتخاب المجلس الوطني أولاً. فقد تكتفي السلطة بالانتخابات التشريعية، تحت أي حجة، والحجج كثيرة، وقد بانت معالم هذا المجلس الذي يريده عباس واضحة، فهو يريده على حاله، مع توافق على تعيين شخصيات معينة لاستكماله، يريده تابعاً له وليس متبوعا، كما أرادت حماس وباقي فصائل المقاومة..

لا يزال عندي أمل في أن تتراجع حماس عن قرارها، وأن تحاول مع الفصائل الأخرى ومع الشرفاء من حركة فتح تشكيل كيان فلسطيني جديد، بروح وطنية شابة. ولن نذهب بعيداً، فقد وجدناً ضالتنا في كيان موجود بالفعل، "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج"، والذي يرفض المسار الذي سارت فيه منظمة التحرير، وله موقف جاد إزاء اتفاقية "أوسلو". ومن الممكن التعويل والبناء عليه، والتواصل معه في الداخل، كي يكون كياناً أكثر شمولية، مع انتخاب قيادة فلسطينية جديدة ترد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية "تحرر وطني"، وليعطي هذا الكيان الشرعية الكاملة باتخاذ القرار الجريء بشأن اتفاقية "أوسلو"، ويدير المشروع الوطني الفلسطيني بكل تجلياته..

هذا ما يحتاجه الشعب الفلسطيني الآن وليس مسرحية الانتخابات..

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (0)