قضايا وآراء

ثورة يناير.. حدود الدور الأمريكي

قطب العربي
1300x600
1300x600
مع مرور 10 سنوات على الثورة المصرية في 25 كانون الثاني/ يناير 2011، تتدفق الشهادات المحلية والدولية عن تطورات الثورة وأيامها، وأصعب محطاتها، من شخصيات شاركت فيها، أو شاركت في توجيه مساراتها، أو كان لها دور على صانع القرار في ذلك الوقت. ومن هذا النوع الأخير الشهادات الأمريكية التي تكشف دور إدارة الرئيس أوباما في الأيام الأولى للثورة، ودفعها لمبارك لعدم الترشح في البداية ثم دفعه للتنحي في نهاية المطاف، مرورا بالعديد من المحطات الأخرى قبل وبعد ذلك وصولا إلى الانقلاب العسكري في 2013.

لدينا الآن مذكرات للرئيس الأمريكي بارك أوباما (أرض الميعاد)، ومذكرات لوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون (خيارات صعبة)، وتسريبات بريد هيلاري (بخلاف المذكرات المنشورة)، أو وزير الدفاع روبرت جيتس (الواجب)، ولدينا أيضا شهادات لمراسلين أمريكيين قاموا بتغطية أحداث الثورة، ولا ينقصنا الآن سوى شهادة مكتملة (مذكرات) للسفيرة الأمريكية في القاهرة في ذلك الوقت، آن باترسون.
تتطابق الشهادات الأمريكية المنشورة حتى الآن في سردها لوقائع الثورة المصرية، وإن حملت التسريبات البريدية لهيلاري كلينتون قدرا أكبر من التفصيلات والمعلومات

تتطابق الشهادات الأمريكية المنشورة حتى الآن في سردها لوقائع الثورة المصرية، وإن حملت التسريبات البريدية لهيلاري كلينتون قدرا أكبر من التفصيلات والمعلومات، باعتبار أنها لم تكن معدة للنشر العام، وإنما كانت موجهة بالأساس لصانع القرار الأمريكي. وقد حرص الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية أن ينشر هذه الرسائل كمكيدة ضد الديمقراطيين، باعتبار أن تلك الرسائل لم تحفظ بشكل قانوني صحيح على الخادم الإلكتروني الرسمي لوزارة الخارجية. وقد كان الكشف عن تلك الرسائل، وبالذات ما يخص الثورة المصرية، مفيدا جدا في فهم الكثير من المناطق المعتمة في مسيرة الثورة وعلاقات الأطراف الفاعلة المختلفة في أثنائها.

في مذكراته (أرض الميعاد) وفي شهادات أخرى ظهر أن الرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما كان متعاطفا مع ثورة الشباب المصري، لدرجة أنه قال في مذكراته: "لو كنت شابا مصريا في العشرينيات من عمري، لشاركت أيضا في هذه التظاهرات".

وقد تطابقت شهادة أوباما مع شهادة وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في شرح الانقسام الذي شهدته الإدارة بين فريق العواجيز الذين نصحوا بدعم مبارك والتريث في دعم الحراك الشبابي (وكان يمثلهم جو بايدن نائب الرئيس في ذلك الوقت، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت جيتس، ورئيس المخابرات وآخرون)، فيما كان مستشارو الرئيس من الشباب متحمسين لمساندة الثورة المصرية. وقد حسم أوباما أمره بالانحياز لفريق الشباب، ووصف شباب التحرير بأنهم يشبهون مستشاريه الشباب ويشبهون شباب حملته عموما. وهذا ليس طعنا في شباب التحرير بطبيعة الحال، بل هكذا نظر إليهم أوباما.

وللتذكير هنا فعلى عكس ما يشاع عبر وسائل الإعلام المصرية الداعمة للنظام حول انحياز هيلاري كلينتون للثورة، فالثابت عبر التصريحات العلنية التي شاهدها واستمع إليها الجميع في حينه، وعبر ما نشر في المذكرات والتسريبات، أن هيلاري كلينتون دعت في الأيام الأولى للثورة الجميع لوقف العنف، وهو ما فهم منه انحيازها لنظام مبارك، وقد استدعى ذلك اتصالا مباشرا بها من أوباما لتوحيد رسالة الإدارة، حسبما نقلت هي في مذكراتها وحسبما نقل أوباما في مذكراته أيضا.
الموقف الأمريكي كان أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة للضغط على مبارك للتنحي، ودخل في مفاوضات شاقة معه قبيل تنحيه

لا شك أن الموقف الأمريكي الداعم لمطالب التغيير في مصر كان عنصرا حاسما، حيث أرسل أوباما مبعوثه الخاص فرانك ويزنر، السفير الأمريكي السابق في مصر، لإقناع مبارك في الأيام الأولى للثورة بعدم ترشيح نفسه أو نجله جمال في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما أعلنه مبارك بالفعل في خطابيه السابقين على تنحيه، لكن أوباما لم يكتف بذلك بل أعلن في تصريح شهير أن على مبارك أن يرحل بشكل عاجل. هذا الموقف الأمريكي كان أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة للضغط على مبارك للتنحي، ودخل في مفاوضات شاقة معه قبيل تنحيه؛ نقلها البريد المسرب لهيلاري كلينتون. وكانت تلك المفاوضات تتركز حول ضمانات الخروج الأمن لمبارك وعائلته حتى لا يتكرر له مصير الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وقد قدم له المجلس العسكري ضمانات نجح في تنفيذ بعضها لاحقا وفشل في تحقيق البعض الآخر، مثل عدم المحاكمة، وذلك تحت وطأة الحراك الثوري القوي.

لا شك أن الثورة المصرية كانت مباغتة للإدارة الأمريكية، فلم يكن لدى مخابراتها أي معلومات أو تقديرات موقف تشي باندلاع تلك الثورة، وحين اتصل أوباما بمبارك قبل أسبوع منها أكد له مبارك أن مصر ليست مثل تونس (وفقا لما ذكره أوباما في مذكراته). ولا شك أيضا أن التعاطف الأمريكي مع الثورة لم يكن هو الصانع لهذه الثورة، وإن كان عنصرا داعما لها.

ولا شك أن الحديث عن هذا الدعم الآن لا يعني استدعاء التدخل الأمريكي أو القبول به في الشأن المصري، فالإدارة الأمريكية لا تتخذ مواقفها عن عواطف أو تلبية لدعوات هنا أو هناك، ولكن وفقا لحسابات المصلحة الأمريكية. ويتضح من سيل الرسائل المسربة لهيلاري كلينتون محاور اهتمام الإدارة الأمريكية في ما يحدث على الأرض وتأثيره على تلك المصالح الأمريكية المباشرة، وعلى مصالح ربيبتها إسرائيل، وعلى حركة الاستثمار والأوضاع الأمنية (الإرهاب)، ومخاوف الهجرة.. إلخ.

برغم ميل الإدارة الأمريكية باتجاه دعم الثورة المصرية وغيرها من ثورات الربيع العربي، إلا أنها ظلت متوجسة من البديل المتوقع لنظام مبارك، والذي تجسد بصورة واضحة أمامها في جماعة الإخوان المسلمين التي رأت أنها الأكثر تنظيما وحضورا شعبيا، ولكنها لا تلبي القيم الأمريكية والغربية. وحسب مذكرات أوباما وهيلاري وتسريبات بريدها، فإن الإدارة اضطرت للتعامل مع الإخوان، وقبلت لاحقا التعامل مع الرئيس مرسي باعتباره رئيسا مدنيا ويمثل إرادة المصريين بعد ثورة شعبية، لكن الإدارة عادت مجددا للانقسام تجاه التعامل مع الانقلاب على الرئيس مرسي في 2013، وهو ما حسم هذه المرة بقبول الانقلاب كأمر واقع.
المتابع للقسم الخاص بالثورة المصرية في فترة المجلس العسكري أو خلال حكم الرئيس مرسي، يلمس اهتماما أمريكيا كبيرا بمواقف الإخوان تجاه القضايا المختلفة، وعلاقاتهم ببقية الأطراف الفاعلة في المشهد المصري، وكذا موقفهم من القضايا الإقليمية والدولية

والمتابع للقسم الخاص بالثورة المصرية في فترة المجلس العسكري أو خلال حكم الرئيس مرسي، يلمس اهتماما أمريكيا كبيرا بمواقف الإخوان تجاه القضايا المختلفة، وعلاقاتهم ببقية الأطراف الفاعلة في المشهد المصري، وكذا موقفهم من القضايا الإقليمية والدولية وخاصة الموقف تجاه إسرائيل.

وتظهر المذكرات والرسائل تقديرا لدور الرئيس مرسي في إنهاء حرب غزة في 2012، حيث ظهر بحسب تلك المذكرات "رجل دولة" يحسن تقدير الأمور، ويستطيع حل المشكلات الكبرى. وللتذكير، فقد كان موقف الرئيس مرسي العلني بدعم غزة وعدم تركها وحدها، وإرساله رئيس وزرائه هشام قنديل لزيارتها أثناء القصف؛ موقفا فريدا، ساهم بقوة في ردع العدوان الإسرائيلي، ودفع أوباما لإرسال وزير خارجيته هيلاري فورا في زيارات مكوكية بين القاهرة والقدس لحل الأزمة، وهو ما انتهى أخيرا باتفاق لوقف النار لاقى قبولا عاما وخرج أهل غزة للابتهاج به، على خلاف العدوان على غزة في 2008، والذي أعلنته تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية من القاهرة في لقاء مشترك مع وزير الخارجية أحمد أبو الغيط.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 17-01-2021 06:47 ص
*** بحث ودراسة المعلومات المتاحة من المصادر الخارجية الدولية المتعلقة بالثورات العربية يضيف منظوراُ جديداُ هاماُ، فعلى قدر ما تحاول الأنظمة المستبدة في الداخل أن تظهر استقلالها، وأن تبدوا أمام شعوبها أنها مسيطرة على قراراتها السياسية، فإن الواقع يثبت مدى تبعية تلك الأنظمة العربية للقوى الأجنبية الخارجية، وفقدانها الثقة في القرار الوطني المستقل المحقق لمصالح شعوبها، كما تظهر قناعة شاغلي كراسي الحكم في تلك البلدان، أن بقاءهم في مناصبهم منوط برضا الأجنبي عنهم، والمؤسف أن ملوك ورؤساء يتمخطرون أمام شعوبهم كالطواويس، ويستخدمون كل ما في مستطاعهم من وسائل القمع لشعوبهم والاستبداد بحكم بلادهم، لا يرون إلا طريقاُ واحداُ لاستمرارهم في نهب أموال شعوبهم، ألا وهو طاعة المحور الصليبي الصهيوني الجديد، فأولئك الحكام الذين يرفلون في أبهة الحكم ليسوا إلا بيادق في يد ذلك المحور منفذون لأوامره، ومتبعون لخطاه، وساعون لتحقيق أهدافه في تغيير عقيدة الأمة ومحو هويتها وسحق إرادتها المستقلة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإدراك الشعوب الواعية لذلك هو أساس نجاح الثورات ضد الحكومات الفاسدة لتأسيس الحكم الرشيد، وإقامة الدولة الوطنية التي تستمد شرعيتها من رضا شعبها وخدمة وتحقيق صالح أبناء وطنها.