كتب

هل نحن جاهزون للاعتراف بـ"الاستثنائية الإسلامية"؟

 86 بالمئة من المسلمين الماليزيين و72 بالمئة من المسلمين الإندونيسيين يفضلون جعل القانون الإسلامي القانون الرسمي
86 بالمئة من المسلمين الماليزيين و72 بالمئة من المسلمين الإندونيسيين يفضلون جعل القانون الإسلامي القانون الرسمي

الكتاب: "الاستثنائية الإسلامية.. كيف يعيد الصراع حول الإسلام تشكيل العالم"
المؤلف: شادي حميد
ترجمة: صلاح حيدوري
الناشر: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2018


ما زال الإسلام يشكل واحدا من العوامل الفاعلة ليس فقط في تشكيل الوعي الجمعي العربي والإسلامي، وإنما أيضا في صياغة المشهد السياسي العربي والدولي.. وعلى خلاف العالم الغربي الذي استطاع تحييد الدين عن السياسة، من دون أن يعني ذلك إلغاء أي دور له، فإن الأمر في العالمين العربي والإسلامي مختلف إلى حد كبير.

 

في هذا الإطار يأتي كتاب "الاستثنائية الإسلامية.. كيف يعيد الصراع حول الإسلام تشكيل العالم"، للكاتب شادي حميد، الذي كان قد عرض له في وقت سابق الكاتب المغربي بلال التليدي هنا في "عربي21"، وتعيد اليوم الكاتبة الأردنية عبير فؤاد فتحه من جديد لجهة مزيد من فهم تعاطي النخب السياسية العربية والإسلامية مع الدين في مواجهة محاولات إقصائه..

 

تجربة رائعة 

 

يصف الباحث شادي حميد رحلته في تأليف هذا الكتاب بأنها تجربة رائعة من الاستيعاب، والتعلم والانفتاح على إمكانية رؤية الأشياء بطرق جديدة، تساعد على فهم منطقة "معقدة" وتدفع الباحثين إلى مساءلة افتراضاتهم. وهذه الأشياء التي يتحدث عنها هي: الإسلام، والقانون الإسلامي، والديمقراطية، والدولة. 

شادي حميد درس في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون، وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد، وهو مهتم بالأحزاب السياسية الإسلامية والإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي، وصدر له سابقا "إغراءات السلطة، الإسلاميون والديمقراطية غير الليبرالية في شرق أوسط جديد". وفي كتابه، موضوع العرض هنا، الذي صدرت طبعته الأولى الإنجليزية في العام 2016، يناقش حميد ما يسميه بالاستثنائية الإسلامية في علاقة الدين بالسياسة في منطقة الشرق الأوسط، كمحاولة لتفسير صراعات "تبدو مستعصية" حول طبيعة وشكل الأنظمة السياسية التي يفترض أن تضمن استقرار المنطقة.

يلخص مشاري حمد الرويح، الأستاذ في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، مقولة الكتاب الأساسية بأن "الإسلام يتميز بعلاقة استثنائية بالسياسة، وأن تلك الاستثنائية يجب أن تأخذ بالاعتبار عند الحديث عن بناء إقليمي يتسم بالاستقرار والاستدامة". ويقول في المقدمة التي وضعها للترجمة العربية للكتاب أن حميد يطرح فكرة الاستثنائية مستندا إلى مصادر فقهية وتاريخية، ومجسدة في وعي وإدراك المجتمعات المسلمة، التي تعطي الكثير من الأهمية لقيام الإسلام والشريعة بدور في المجال العام.

لكن يبدو أن هذه الاستثنائية لا تلقى اعترافا بها سواء من قبل "النظم العلمانية الاستبدادية العربية" والنخب العلمانية الليبرالية المحلية، أو من قبل القوى الدولية العلمانية التي ترى فيها تقييدا للتحديث ومحاكاة التجربة الغربية "التي يفترض أن تنتج نظما سياسية ديمقراطية، ونظاما إقليميا علمانيا ليبرالية".

الاستثنائية أمر واقع

كي يشرح هذه "الاستثنائية"، التي يعتبرها توصيفا محايدا ليس لديه "قيمة جوهرية" في حد ذاته، يعود حميد إلى القرن السابع السابع الميلادي، أي إلى الفترة التي تأسس فيها الإسلام، ويفرد جزءا كبيرا من كتابه لمناقشة فكرتين أساسيتين؛ الأولى تؤكد على أن الإسلام مميز في علاقته بالسياسة وهو "مختلف" بطريقة لا بد أن تترك أثرها الواضح والعميق على مستقبل الشرق الأوسط وعلى العالم، وهذا أمر واقع، كما يقول، علينا أن نتفهمه ونحترمه حتى لو تعارض مع "آمالنا وتفضيلاتنا الخاصة". 

إن فكرة الخلافة، ككيان سياسي يحكمه القانون والتقاليد الإسلامية، ظلت مرتبطة في وجدان جزء كبير من المسلمين باعتبارها "التعبير السياسي عن الوحدة الروحية للمجتمع المسلم"، ومنذ تفكك الخلافة ظل الصراع محتدما، بدرجات متفاوتة، لتخليق نظام سياسي شرعي، كان الدين ودوره فيه على الدوام محل جدال ونزاع، بحسب حميد. الفكرة الأساسية الثانية هي استبعاد نجاح محاولة تكرار النموذج الغربي (الإصلاح البروتستانتي) الذي تلاه التنوير، ودفع بالدين تدريجيا إلأى المجال الخاص. 

يقول حميد: "إن الإسلام الذي هو دين مختلف تماما عن المسيحية وشهد تطورا مختلفا تماما عنها، يبدو من الغريب افتراض أنه سيسلك مسارا مماثلا لها، لسنا كلنا متشابهين، والأهم من ذلك، لماذا يجب أن نكون كذلك؟".

يوضح حميد أن الكنيسة قبلت بالديمقراطية والليبرالية من موقف الضعيف المضطر لتقديم تنازلات، "إذ لم تنسجم السلالات الكاثولوكية المحافظة المتنوعة مع أوروبا المتغيرة بسرعة، حيث أصبحت أفكار مثل المساواة والسياسة الشعبوية والاقتراع العام في كل مكان. وفي هذه الاثناء، ادعت البروتستانتية اعتمادها على النص المقدس الوحيد( سولا سكريبتورا) الذي كان في نهاية المطاف غير قادر على توفير أساس عملي لمفهوم مسيحي واضح للقانون والحكم". 

 

إن الإسلام الذي هو دين مختلف تماما عن المسيحية وشهد تطورا مختلفا تماما عنها، يبدو من الغريب افتراض أنه سيسلك مسارا مماثلا لها، لسنا كلنا متشابهين، والأهم من ذلك، لماذا يجب أن نكون كذلك؟"

 



في المقابل لم تكن هذه هي الحال عند المسلمين. يتابع حميد "في الإسلام كانت فكرة العودة إلى النص المقدس ـ التي ألهمت مارتن لوثرقرونا قبل ذلك ـ أكثر عملية. فقد كان القرآن، بطريقة لم يكنها الإنجيل قط قبل ولا يمكن أن يكونها، منزها عن الشكوك في أعين المسلمين المؤمنين. وبذلك، كانت الأصول أقوى، وحين تكون الأصول أقوى يكون "للأصولية" أكثر من فرصة للمواجهة". 

ليس هذا فحسب، يضيف حميد "لقد كان للأصولية أو ما أصبح يعرف لاحقا بالإحياء الإسلامي ميزة أخرى غير محتملة: كان الإسلام، من عجب، أكثر الديانات الإبراهيمية حداثة ومرونة... حيث أثبت القانون الإسلامي، أو الشريعة، أنه أكثر"علمانية" من المفاهيم المسيحية للقانون والسياسة. هذه نقطة انطلاق حاسمة؛ ذلك أن علمانية الشريعة في ذاتها هي التي جعلتها أكثر أهمية ودويّا في السياسة اليوم.. هذه الحقيقة المستبعدة يمكن أن تساعدنا في حل لغز الأهمية المتواصلة للإسلام في عصر العلمانية".

ماليزيا وإندونيسيا

يتساءل حميد: لماذا يعاني الشرق الأوسط بالذات من غياب نظام شرعي؟ ويجيب: أزعم أن هزيمة الشرعية هذه مرتبطة باستمرار عدم القدرة على ضبط علاقة الإسلام بالدولة، حيث يفرد الجزء الثاني من الكتاب للبحث في النماذج المختلفة لكيفية حل معضلة الدولة الإسلامية في الماضي وفي المستقبل، مركزا على "أكثر مقاربات الإسلاميين محلية في السياقات العلمانية، تحديدا تلك الموجودة في تركيا وتونس، اللتين كان لزاما عليهما أن يتعاملا مع عقود من العلمنة القسرية" والذي يثير الاهتمام هنا بحسب حميد، أن البلدان على الرغم من سياقهما العلماني كانا الوحيدين في الشرق الأوسط اللذين استطاعت فيهما الأحزاب الإسلامية الوصول إلى السلطة، لكن الإسلاميين "المعتدلين"في البلدين، رغم ذلك، ولأسباب متعددة، فشلوا في خلق توليفة إسلامية ناجحة. 

 

"أكثر مقاربات الإسلاميين محلية في السياقات العلمانية، تحديدا تلك الموجودة في تركيا وتونس، اللتين كان لزاما عليهما أن يتعاملا مع عقود من العلمنة القسرية"

 



يستحضر حميد هنا نموذجين آخرين من جنوب شرق آسيا، لبلدين يلعب فيهما الإسلام دورا كبيرا في الحياة السياسية. يقول: تبدي كل من إندونيسيا وماليزيا اللتين تعتبران نموذجان للتعددية والنجاح الديمقراطي أهمية كبيرة للشعائر الخاصة بالشريعة أكثر بكثير من مصر أو تونس أو تركيا..، والأكثر إثارة للاهتمام حول هاتين الحالتين هو كيف أن المطالب بتحكيم الشريعة لم تقتصر على الإسلاميين بل جاءت في معظمها من قبل مسؤولين في أحزاب علمانية.

ويتابع، 86% من المسلمين الماليزيين و72% من المسلمين الإندونيسيين يفضلون جعل القانون الإسلامي القانون الرسمي لبلدانهم. قد يكون الإسلام استثنائيا، لكن النظام السياسي في كلا البلدين كان مهتما باستيعاب هذا الواقع أكثر من اهتمامه بقمعه. 

إن ما يميز البلدين ليس استعدادهما لاحتضان الليبرالية أو العلمانية، بحسب حميد، إنما يكمن الفرق في أن ماركة السياسة الإسلامية الخاصة بهما قد حظيت باهتمام أقل بكثير في الغرب، يعود ذلك في جزء منه إلى أنه لم ينظر إلى هاتين الدولتين على أنهما ذواتا أهمية كبرى من الناحية الاستراتيجية، والأهم أن تمرير القانون الإسلامي هو ببساطة أقل إثارة للجدل على الصعيد المحلي، فلم تكن هناك نخبة علمانية راسخة بالشكل الذي وجدت عليه في العديد من الدول العربية، ولم تكن الأحزاب الإسلامية فيها قوية، لذلك لم يكن الاستقطاب عميقا ومزعزعا للاستقرار.

مهمة صعبة

يقول الرويح إن هذه الحالة من عدم الاعتراف والتعامل مع الاستثنائية الإسلامية السياسية ـ في المنطقة العربية ـ وحصارها من جهة، وارتباك الإسلاميين وعدم قدرتهم على التعامل مع ما رغبوا فيه طويلا، أي دولة تحمل مشروعهم الإسلامي من جهة أخرى، أدت إلى أو كانت أحد أسباب ظهور داعش، متجاوزة الدولة القومية بالكلية والصراع حولها، في إطار من فرض وجود كيان سياسي يتسم بالوحشية ومستوى غير مسبوق من العنف. وهذا ما يتناوله حميد في الفصل السابع من كتابه عندما يتحدث عن كيف قاد فشل الربيع العربي في إنتاج نظام سياسي شرعي مستقر إلى انتعاش المناهج الأكثر تطرفا. يرى حميد أن "ازدهار" تنظيم مثل داعش أو الدولة الإسلامية في هذا القرن، في وقت كان من المفترض أن ينحني فيه قوس التاريخ نحو العدالة أمر مدهش. ويوضح ذلك بالقول: لم تكن هناك أي محاولة جادة ومستمرة لإعادة تأسيس الخلافة منذ الإطاحة بها في العام 1924. 

الآن يمكن للدولة الإسلامية أن تدعي أنها تمثل المحاولة الأولى. لقد كانت أنجح الأمثلة للحكم الإسلامي المعترف بها في العقود الأخيرة، حتى وإن كان المقياس هنا منخفضا نسبيا. وقد أخذت أيضا الحكم وبناء المؤسسات بجدية نسبية، وأجادت فيه. لقد كان نموذجها للحكم وليس الإرهاب هو، ربما ، السمة المميزة للجماعة، ما جعلها عدوا أكثر جدارة وأشد خطرا، وهو مثير للذعر بطرق عدة. لم يكن للدولة الإسلامية، في تناقض صارخ مع الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية الأخرى المعتدلة، اهتمام كبير بهياكل الدولة الحالية في منطقة الشرق الأوسط. 

يتوقع حميد أن يلعب الإسلام دورا كبيرا في سياسات الشرق الأوسط في المستقبل المنظور، وأن يكون لذلك انعكاسات كبيرة. ويلفت إلى أن فكرة إصلاح الإسلام التي يتمسك بها الكثيرون في الغرب وفي العالم العربي ليس من المرجح أن تتحقق، وبدلا من ذلك يقترح التصالح مع فكرة الاستثنائية الإسلامية والتعامل معها بجدية أكبر، مع إقراره بأنها مهمة ليست سهلة.

التعليقات (2)
منظار
الأحد، 17-01-2021 09:53 م
يتوقع المؤلف بان يلعب الاسلام دورا كبيرا في سياسات الشرق الاوسط في المستقبل المنظور . كلام واقعي مستند ومدعم تاريخيا وحضاريا لما شرع به قديما ومرورا بهذا الوقت بل وحتى لو اجاز التعبير وصولا لنهاياته . فالاسلام نظام وشخص معني بحفظ هذا النظام ، فعند تحقق هذين الشيئين في اي وقت تنتج العدالة في المجتمع وعندها تزول الافكار المشوشة عن الاسلام عند الغرب وغيره .
فيجاي
الإثنين، 11-01-2021 01:42 م
العيب فينا و نعيب دنينا ، الإسلام يدعوا إلى العلم و أول سورة نزلت على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم تدعوا إلى العلم ( أقرأ ) و المسلمين و العرب كان لهم باع كبير في الرياضيات و علم الفلك و علم الاجتماع و الطب .. لكن الأنظمة الحاكمة و الجو السياسي الفاسد و السيء أثر بشكل كبير على الحياة الفكرية و لم يقم بتدعيمها ، أين مراكز ... البحوث العلمية . الإسلام يدعوا إلى التحلي بمكارم الأخلاق و نحن اتبعنا همجية الغرب و صرنا كالحيونات نتبع غرائزنا .. فماذا طبفنا من الإسلام و تعالميه لا شيء .. نحن ليس فقراء بل منهوبون لا يوجد مؤامرة خارجية ! الذليل الصين .. كوريا .. روسيا أعداء لليابانيين على حدود اليابان مع ذلك الشعب الياباني غني و مستقر . لا يوجد إرهاب في الدول العربية ! الإرهاب شماعة صنعتها أمريكا لسرقة النفط و تستخدمها الحكومات العميقة لتعليق فسادها و فشلها عليها .