تقارير

مصطفى بن جعفر لـ "عربي21": هذه قصتي مع فلسطين

مصطفى بن جعفر يدعو الفلسطينيين لتوحيد صفوفهم ويطالب العرب وأحرار العالم بدعم فلسطين (فيسبوك)
مصطفى بن جعفر يدعو الفلسطينيين لتوحيد صفوفهم ويطالب العرب وأحرار العالم بدعم فلسطين (فيسبوك)

تنشر "عربي21" في قسم "فلسطين الأرض والهوية"، توثيقا أسبوعيا لفلسطين كما تبدو فكرة ومفهوما في أذهان المثقفين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين في العالم.. على اعتبار أن هذه الكتابات هي جزء من وثائق التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.

اليوم ننشر رأي الرئيس السابق للمجلس الوطني التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر وقصته مع فلسطين.

 

تربينا على حب فلسطين

 

كشف الناشط الحقوقي والسياسي ورئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي ما بين 2011 و2012، مصطفى بن جعفر، في لقاء حصري مع "عربي21"، أن قصته مع فلسطين بدأت وهو طفل، مثل أغلب أبناء جيله، وتواصلت عندما تولى مسؤوليات سياسية وحقوقية في تونس ودوليا.

يقول بن جعفر: "قصتي مع فلسطين بدأت عام 1948، عندما كنت في الثامنة من عمري.. كان الحديث في ديارنا عن فلسطين واحتلالها، مثلما كنا نتحدث عن احتلال تونس وحركة التحرر من الاستعمار الفرنسي.. لذلك اعتبرنا دوما قضية فلسطين إلى اليوم القضية المركزية.. ولم نرفع الشعار عبثا".

وأضاف: "لقد بقينا على العهد، نتابع تطورات قضية فلسطين وأخبارها.. خلال كامل مسيرتنا الحقوقية والسياسية.. وقد عشت كل المراحل والنكبات والحروب عن بعد، طالبا ثم سياسيا.."

ويتابع بن جعفر: "واكبنا العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عام 1956، وكنت وقتها طالبا في تونس.. وعشت حرب 1967 في فرنسا وأنا طالب فيها.. كانت نكبة كبرى.. ونحن نتابع ردود فعل الغربيين.. كانت صدمة كبرى بالنسبة لي ولأبناء جيلي من الطلبة العرب في فرنسا.. كانت أجواء نكبة.. وبلغ بنا الأمر أننا أصبحنا غير قادرين على رفع أعيننا في وجه الأجانب".

وتساءل: "لماذا؟"

وأجاب: "لأننا عشنا مرة أخرى الفرق الكبير بين الخطاب والواقع.. عشنا بمرارة الهوة الساحقة بين الخطاب الرسمي والواقع.. ليلة حرب 5 يونيو/ حزيران كنا نتابع في باريس الإذاعة المصرية والخطب الحماسية.. وتحاليل تحقر من شأن إسرائيل والقوة الإسرائيلية بصيغ من نوع: "مصر لن تحتاج إلى محاربة الإسرائيليين عبر جيشها، ويمكن أن تكتفي بأن ترسل إليهم فنانين وفنانات من نوع الممثلة والراقصة سامية جمال (1924 ـ 1994)".

وأضاف: "لكن الصور التي نشرت في اليوم الموالي كانت مفزعه.. صور أفواج من جيش مصر العظيمة مشردة في الصحراء بعد هزيمة مؤلمة ونكراء.. وعساكر مصر من دون أحذية، وآلياتهم مدمرة.. الهزائم واردة في كل الحروب، لكننا شعرنا بأن هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967 كانت نكراء.. بسبب عمق الهوة بين الخطاب السياسي والإعلامي والقدرات العسكرية واللوجيستية"..

ويتابع ابن جعفر في حديثه لـ "عربي21": "كنت من جيل يحترم الزعيم جمال عبد الناصر ومشروعه الوطني، لكن الهزيمة كانت مربكة لجميع العرب في المشرق والمغرب ولنا نحن في المهجر.. وتسببت في خيبة أمل واسعة بيننا".

 

آمنا دوما أن قضية فلسطين قضية عادلة وراءها كل أحرار العالم.. وستنتصر لا محالة عاجلا أو آجلا.. ولما جاءت حرب 1973، أرجعت لنا الأمل، وأثبتت أن الانتصار ممكن عندما تتوفر شروطه، ومن بينها الإرادة وحسن التخطيط والعمل الصامت..

 



ويسترسل ابن جعفر في رواية قصته مع فلسطين: "بعد ذلك، ترأست المؤتمر الوطني للاتحاد العام لطلبة تونس في مدينة قابس، جنوبي تونس، وقد حضره ضيوف عرب وأجانب، بينهم وفد من فلسطين العزيزة على قلوبنا جميعا.. وأصدرنا موقفا واضحا مساندا لقضية تحرير فلسطين.. مع اعتبار القضية الفلسطينية مركزية، ليس بالنسبة للعرب فقط، بل بالنسبة لكل الأحرار وأنصار التحرر الوطني في العالم..".

وأضاف: "لقد حافظت على الموقف ذاته خلال كل تحركاتي الشخصية والسياسية، على الصعيد الوطني في تونس، وعلى الصعيد الدولي عندما أصبحت أمثل حزبنا، (التكتل من أجل الديمقراطية والحريات)، في مؤتمرات الأحزاب الاشتراكية الدولية.. وكانت فلسطين ممثلة غالبا في هذه المؤتمرات بشخصيات من الصف الأول، من بينهم المناضل الكبير الأخ نبيل شعث".

ويتابع: "آمنا دوما أن قضية فلسطين قضية عادلة، وراءها كل أحرار العالم.. وستنتصر لا محالة عاجلا أو آجلا.. ولما جاءت حرب 1973، أرجعت لنا الأمل، وأثبتت أن الانتصار ممكن عندما تتوفر شروطه، ومن بينها الإرادة وحسن التخطيط والعمل الصامت.. كانت درسا، لكن بعد زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى إسرائيل، وإبرامه في واشنطن اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل، تصدع الموقف العربي.. وقد انتقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس بقرار عربي؛ احتجاجا على مبادرة الرئيس أنور السادات"..

وتابع: "كما عشنا بحرقة معاناة شعب فلسطين وقياداته خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في 1982.. عشناها بكل ألم وكانت انعكاساتها مباشرة على تونس، بينها انتقال القيادة الفلسطينية بزعامة الرئيس ياسر عرفات إلى تونس.. وقد نوهت كل القيادات الفلسطينية بحفاوة استقبال الشعب التونسي للأشقاء الفلسطينيين، وبكون كل الحكومات التونسية لم تكن تتدخل في الشأن الفلسطيني".

وحول علاقته مع القيادات الفلسطينية، قال ابن جعفر: "كان لدينا تعامل مع القيادة الفلسطينية بزعامة الأخ أحمد المستيري، أمين عام حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، والأخ الدالي الجازي، مسؤول العلاقات الخارجية والدولية.. وقد عوضته عندما عين وزيرا في عهد بن علي بما مكنني من التواصل المباشر مع القيادة الفلسطينية".

وعن علاقته بفلسطين في مرحلة ما بعد الثورة، قال ابن جعفر: "زرت مدينة رام الله الفلسطينية في 2014 بصفتي رئيسا للمجلس الوطني التونسي، وفيها التقيت القيادة الفلسطينية.. وأسجل أنه رغم الانشغال بالقضايا المحلية عند الحكومات العربية، فإن الجمهور العربي لم يتخل ولن يتخلى عن فلسطين..".

وأضاف: "أتوقع أن يتراجع الضغط الأمريكي على الفلسطينيين والحكام العرب في عهد الرئيس بايدن.. والمطلوب استفاقة من القيادات العربية.. بما يمكنها من توظيف علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية التي سوف تعوض إدارة ترامب المتطرفة.. أتوقع أن يتحسن المناخ في عهد بايدن.. بعد أعوام من الانحياز التام والتطرف الذي برز في عهد ترامب.. لكن الأهم من كل هذا وذاك أن تضع القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية الفلسطينية حدا للانقسام، وأن تكرس وحدة الجبهة الوطنية الداخلية".

 


التعليقات (0)