قضايا وآراء

إلى ابن زايد وابن سلمان.. "شرقنا ليست كشرقكم"

علي الصاوي
1300x600
1300x600
يقولون إن التقليد لا يرتفع على النموذج، والأفكار المسروقة كعود الثقاب تشتعل مرة واحدة، وسرعان ما تنطفئ ويخفت بريقها ولا يبقى لها أثر. وقد تكون الكلمات متشابهة في الشكل، لكنها في القيمة والمعنى ليست سواء، وقد تعلو الأصوات ويبلغ صداها آخر الدهر، لكن شتان بين صوت يصدح بالحق وآخر يصدح بالباطل، فالأول حقيق بالدعم والإعجاب وجذب القلوب، والثاني جدير باللعنة ومقت القلوب.

وهذا ما نضح مؤخرا في أروقة دولة التآمر والمكر الإمارات وخاصة مدينة دبي، تلك التي ترفع شعار التقليد في كل شيء، بدءا من البحث عن هوية وحتى قنوات الإعلام والسطو على أفكار الآخرين. وقد تجلى ذلك في سرقة اسم قناة الشرق الفضائية، لتحمله قناة جديدة بتمويل سعودي إماراتي لضرب إحدى قنوات الربيع العربي والتشويش عليها بعد أن فشلوا في إيقافها وتشويه صورتها. 

مليارات تُنفق على قنوات إعلامية، ومراكز أبحاث ودراسات لبث سمومهم الفكرية في عقول الجماهير، ودعم سياسي واقتصادي لتثبيت أركان أنظمة مستبدة، ورغم ذلك لم تُحقق تلك المليارات هدفها في فصل الشعوب عن واقعها المؤلم وتحويل أنظارها عن متابعة إعلام الربيع العربي، فكان نسخ الأفكار وسرقتها هو البديل لعله يؤتي أؤكله، في ضرب الخصوم وتشتيت الجماهير وتزييف وعيهم. فلا أحد فضح جرائمهم مثل قناة الشرق خاصة في ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فكان ترصّد محمد بن سلمان لها حاضرا، يبحث عن طريقة لصرف أنظار الناس عن متابعتها.

إعلام لم يقترف أي ذنب سوى أنه ينتمي إلى الكلمة الحرة التي تعكس نبض الجماهير برغم قلة إمكاناته مقارنة بمليارات ممالك النفط، لكن منذ متى كانت المليارات تُحق حقا وتُبطل باطلا؟ أليست تلك المليارات هي التي قتلت الشعوب وأجهضت ثوراتها التي كانت بمثابة الأكسجين الذي جاء لينقذها من احتضار الاستبداد وفساد الأنظمة العميلة، لولا تدخل ملياراتكم التي كتمت أنفاسها وحصدت أرواحها؟

لم تسلم قناة الشرق من الهجوم المتواصل والافتراءات الجمّة حول مشروع أفكارها، وأنها تهاجم إصلاحات السيسي وابن سلمان وابن زايد لصالح تركيا، وأنها ليس لها علاقة بالثورة. وهذه كذبة تولت كبرها أنظمة لا تعلم الفرق بين الإصلاحات التي تتخذ الاستبداد بطانة وجوهرا، لكنها أمام الناس تقدمية وتغيير، وبين الديمقراطية التي يظهر أثرها في سياسة الأنظمة السياسية داخليا وخارجيا، ديمقراطية لا تذبح المواطن كذبح البعير لمجرد الاختلاف في الرأي، ولا تكون للخائنين خصيما كتلك التي تدافع عن رجالها في كل مكان في الداخل والخارج وإن كانوا مجرمين. وهذا شأن ممولي قناة الشرق المغشوشة، الذين لم يألوا جهدا في تتبع كل معارض لهم ومؤيد لثورات الربيع العربي لقتله والتمثيل بجثته، وخاشقجي ليس منا ببعيد. فكيف لأنظمة هذه سياستها يكون إعلامها حر أو معبّرا حقيقيا عن أفكار وروح الشعوب التائقة للحرية؟ لذلك كانت رسالة الشرق هي مناهضة الظلم والاستبداد تحت أي شعار وفي أي ثوب، سواء كان دينيا أو عسكريا أو حتى مدنيا. 

ستظل الشرق معبّرا حقيقيا عن أحلام الشعوب، وظهيرا حقيقيا لثورات الربيع العربي، وصخرة صلدة في مواجهة محور الشر. فإذا كان القهر السياسي والاجتماعي لأنظمة الاستبداد هو المُفجّر لثورات الشعوب، فإن الإعلام الحر والمستقل هو الذي يُهيئ ويُعجّل بإنجازها. وهذه هي القيمة الحقيقية التي تدين بها الشرق لكل المشاهدين في مصر والوطن العربي، لذلك تربصوا بها وحاولوا إقصاءها فلم يفلحوا، فلجأوا إلى حيلة الجاهل حين يعجز عن مواجهة خصمه فيسرق جهده وفكره.

فلا شيء يفوق قوة الكلمة، ولا يرهب الطغاة، سوى نافذة إعلامية حرة، تعكس الواقع المرير للشعوب، وتُعبّر عن آمال المواطن وطموحاته، وتجعله في مستوى الحدث وبالجودة والمصداقية التي يتمناها. لذلك ستبقى الشرق ويفنى غيرها، حتى لو حمل اسمها "فالنائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة".
التعليقات (0)