أخبار ثقافية

فيلم Onward.. تعويذة الإحياء في عالم العجائب

تميز الفيلم بتفرد فكرته وإبداعيتها وتزين عرض الفيلم بالألوان المبهجة كما عودتنا أفلام ديزني- تويتر
تميز الفيلم بتفرد فكرته وإبداعيتها وتزين عرض الفيلم بالألوان المبهجة كما عودتنا أفلام ديزني- تويتر

"كل نفس ذائقة الموت".


إن الموت هو الأمر الذي تُجمع عليه البشرية كلها ولا ينكره أحد، وهو النهاية الأكيدة لكل ما هو حي، فكلمة الموت وحدها كفيلة بأن تكدر خاطرك وتذكرك بالحقيقة المريرة التي ستقاسيها والآخرون، إذ وقف أو سيقف أمامك يوما ما بسوداويته الموحشة وسيسلب منك دون رحمة أحباءك وأقرباءك أمام ناظريك ومسمعك ولن تستطيع عندها أن تواجهه أنت بأكثر من قلة الحيلة والدموع..


"الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء"

ستشعر حتما بالخسارة، وسيتعمق شعورك بالحزن والفقد كلما كان الفقيد أقرب إليك، كأن يكون أمك أو أباك! لذا فالفاجعة لا تكمن في تحقق قدره المحتوم، والذي نشترك به جميعا، بل تكمن في عيش حياة تخلو منه، وعدم استغلالنا لكل لحظة من لحظات وجوده بيننا، فرغم استحالة عودته للحياة مرة أخرى إلا أننا لا نتوقف عن تمني ذلك، لكن ماذا لو كانت عودته أمرًا ممكنا؟؟!

تدور حكاية فيلم Onward  وهو أحد أفلام ديزني الصادرة في هذا العام، في عالم خيالي تعيش فيه مخلوقات غريبة، وقد كان السحر وسيلتهم للحياة، إلا أنهم استغنوا عنه إلى العلم والتطور التكنولوجي، فلم يعد للسحر وجود إلا في الحكايا والكتب القديمة، ولم تعد تؤمن به إلا فئة قليلة جدا، من ضمنهم والد كل من "إيان" و "بارلي" والذي توفي بينما كان الابن الأصغر إيان في بطن أمه، أي أن إيان لم ير والده، أما الأخ الأكبر بارلي لم يودع والده، وقد ترك الوالد لهما وصية عليهما تنفيذها عندما يتجاوز كل منهما سن السادسة عشرة، والوصية هي عبارة عن عصا سحرية وتعويذة تعيده إلى الحياة ليوم واحد فقط، وما إن يقرأها الولدان حتى تبرق عيناهما فرحا وبهجة، إلا أن التعويذة لم تكن بتلك السهولة، إذ عليهما خوض طرق ومخاطر صعبة للحصول على حجر الفينيق المرصود لإعادة إحياء الوالد.

لو كان بالإمكان وجود أمر كهذا بالطبع كنت لأضحي بأي شيء مهما كان ليعود والدي على قيد الحياة ولو ليوم واحد، ولو لزم الأمر الذهاب في رحلة مجهولة يحفها الخطر، وهذا بالضبط ما فعله إيان وبارلي، حيث ذهبا دون تفكير ليحصلا على الحجر الفينيقي ويتمكن كل منهما من رؤية والده ولو لمرة واحدة، وقد كان إيان شديد الرغبة في ذلك بسبب عدم التقائه بوالده من قبل.

وقد عرض الفيلم هذه الرحلة المليئة بالعواطف والمشاعر الدافئة بين الأخوين، واستماتة كل منهما رغم أن الوقت كان يمضي فالتعويذة لا تعمل إلا مرة واحدة، وعليهما تنفيذها قبل غروب شمس اليوم التالي، وهو ما يمثل الحب الحقيقي فبالرغم من بقاء دقائق معدودة فقط على انتهاء الوقت ظل الولدان يقاتلان حتى النهاية والتي لن اقوم بإفسادها طبعا!

تميز الفيلم بتفرد فكرته وإبداعيتها، وتزين عرض الفيلم بالألوان المبهجة كما عودتنا أفلام ديزني، أما بالنسبة للطريقة التي نسجت بها الحكاية فقد كانت في غاية الإتقان، حيث ظل التشويق حاضرا في المواقف والمشاهد كلها إذ إنه لم يغادر الحكاية حتى شارة النهاية.

 

ومن يشاهد الفيلم بالطبع سيلاحظ أن كل التفاصيل الصغيرة التي وردت في بداية الفيلم والتي قد لا يلقي المشاهد لها بالا، تعود لتؤثر في سير عجلة الأحداث مهما بدت بسيطة في البداية وغير مؤثرة، عدا عن السيناريو الذي كتب بلغة غارقة في الدفء والرقة والعذوبة.

 

وهذا ما يتطابق تماما مع الموضوع الرئيسي القائم على فكرة إعادة إحياء أب غال على قلوب أبنائه وخوض الأخوين مغامرة يشتركان فيها بلحظات السعادة والحزن بين اليأس والأمل، ولا يمكن إغفال اللمسة الكوميدية التي لا تفارق أفلام ديزني في معظم الأحيان وقد جعلت كل تلك العناصر الفيلم مستحقا للمشاهدة بالنسبة للصغار والكبار على حد سواء، فالفيلم رغم تركيزه على الموضوع الرئيسي إلا أنه لا يخلو من العديد من الرسائل العميقة المختبئة خلف العبارات البسيطة والعفوية إلا أنها تلامس القلب بصدق.

 

اقرأ أيضا: مسلسل "Modern Love".. بساطة السرد وعمق الفكرة


قد يتحفظ البعض على الفيلم نظرا لتركيزه على السحر وعالم العجائب، وإظهار السحر بطريقة تجعل منه شيئا جيدا وصانعا للمستحيل، ويمس بعض المبادئ الدينية التي تنص على أن الموت والحياة بيد الخالق وحده، وبأن السحر شر وممارسة محرمة، خصوصا وأن الفيلم بدأ بعبارة تنص على أن العالم قديما كان قائما بالسحر وبأن العالم كان أفضل حالا إذ كان مليئا بالعجائب، وقد تكررت هذه العبارة أو بما يقاربها بالمعنى في بداية الفيلم ووسطه ونهايته كذلك، هذا على مستوى الرؤية الدينية.

 

أما بالنسبة للرؤية النفسية والفلسفية فسنجد أنها تختلف نوعا مع ما يعرف بعقدة أوديب، وما تحدثت به حول الرغبة الدفينة لدى الابن بإزاحة الأب والتمرد عليه، حيث أظهر الفيلم عكس ذلك خصوصا في المشهد الذي كتب فيه إيان على قائمة مهامه "أن أصبح مثل أبي" كما ظهر فيه مدى حاجة الابن لوجود والده، وعلاقة الصداقة الوثيقة التي تجمع بينهما، وكيف أن غيابه لا يسبب لأبنائه سوى الحزن الدائم وسيظلون يبحثون عنه حتى في أنفسهم.

 

بغض النظر عن كل ذلك فإنني لا أجده سوى حكاية بريئة لا تحمل إلا غايات من المتعة وتعميق معاني الشجاعة والتضحية وحب الأسرة والوفاء في قالب مشوق.

وبالمناسبة فقد تميزت مغامرة فيلم Onward بنهاية غير متوقعة، لكنها نهاية سعيدة بالتأكيد وإن لم تكن على النحو المأمول بعد كل المعاناة التي شهدها الأخَوان البطلان، ولا أستطيع قول أكثر من أن النهاية تتمثل بعبارة صوفية خطرت لذهني بعد انتهاء الفيلم وهي أن كل ما تفقده ويحزنك فقده سيعود إليك حتما لكن بطريقة أخرى، وأن ما تبحث عنه موجود لديك بالفعل، فقط افتح عين قلبك لترى ذلك جيدا!

مشاهدة ممتعة...

https://en.disneyme.com/movies/onward

1
التعليقات (1)
sandokan
الثلاثاء، 17-11-2020 10:15 ص
ما تقدمه الدول العربية في مجال أفلام الرسوم المتحركة سينمائيا يقف عند الرقم (صفر) أما ما تنتجه تلفزيونيا من مسلسلات في هذا المجال فلا يساوي شيئا أمام ما تنتجه البلدان الغربية أو الأجنبية، فاليابان مثلا التي تتميز بصناعة أفلام الأطفال تنتج لوحدها حوالي مائة فيلم في العام وكذلك كندا ورغم وجود بعض المحاولات في عالمنا العربي لمحاكاة تلك الصناعة إلا أننا عاجزين عنها سينمائيا ونتأرجح في التشبث بها تلفزيونيا من خلال أعمال تشير إلى أن سوق الرسوم المتحركة العربية لم يصل بعد إلى صيغة إنتاج أفلام رسوم متحركة، والأسباب التي تعيق ذلك كثيرة منها التسويق والتكلفة والتمويل والكوادر الفنية ومنظومة الإدارة والموضوعات المكتوبة بطريقة احترافية مع أن تراثنا ممتلئ بالعديد من الأفكار الرائعة، والأهم فلسفة التعامل مع تلك الصناعة مثل أي صناعة أخرى لضمان توافر عناصر النجاح إليها. أما استوديوهات "والت ديزني" التي تسمى بمدينة الأحلام فيشتغل في هذا النوع فقط من الأفلام أكثر من55 ألف موظف يعملون جميعهم من أجل إنتاج أعمال الرسوم المتحركة وقد ساهم التطور الذي تشهده تقنية العرض السينمائي بتكنولوجيا التصوير ثلاثي الأبعاد في صنع طفرة في تنفيذ أفلام الرسوم المتحركة التي كانت قد شهدت طفرة في التسعينيات بدخول الكمبيوتر وبرامج الجرافيك التي نقلت الرسوم المتحركة من عالم الرسم والتلوين على الورق إلى برامج الكمبيوتر المتقدمة التي تقدم للفنان التقنية والبدائل المتنوعة لصنع فيلم كرتون مختلف يحتوي على رسوم دقيقة وتحريك متقن ومحاك للطبيعة، بالإضافة إلى وصول الرسوم إلى درجة من الدقة والإبهار حيث أصبحت الشخصيات الكرتونية تبدو كأنها كائنات واقعية، فينتقل المتفرج معها إلى رحلة مع عالم سحري يبدو حقيقيا. وإذا كانت أفلام الكرتون تعطى الطفل فرصة الاستمتاع بطفولته وتفتح مواهبه وتنسج علاقاته بالعالم حوله، فإن هناك الكثير من الرسوم المتحركة التي تحرك قدراته ومخيلته على التأمل والإبداع مثل "ويل إي" و"الأسد الملك" و"أليس في بلاد العجائب"، فلم تعد فقط مجالا للتسلية بل أصبحت من أهم روافد تنمية أجيال الصغار خاصة في ظل وجود تقنيات جديدة ساعدت على توسيع هذا الخيال، ما دفع أكبر شركات الإنتاج في هوليوود إلى التوسع في تقديم تلك النوعية بتكلفة فاقت أحيانا الـ50 مليون دولار، لتصبح خلال السنوات الأخيرة صناعة ضخمة ومصدر هام من الأرباح في إيرادات شباك التذاكر. وذالك ما يوضح إن دراسة واقع أفلام الرسوم المتحركة في الوطن العربي يفيد في بذل الجهود من أجل النهوض بهذا الفن، الذي يعد خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر الأعمال جاذبية للأطفال كما يلقى قبولا واهتماما من الكبار أيضا.