مقالات مختارة

مأزق الديمقراطية الأمريكية.. وسلطات الرئيس «السرية»

جاري هارت
1300x600
1300x600

في عام 1975، بعد الكشف عن انتهاكات استخباراتية أُخفيت عن الجميع، إلا عن طائفة صغيرة من أعضاء الكونجرس، ألف مجلس الشيوخ الأمريكي لجنة مؤقتة لفحص عمل وكالات الاستخبارات في البلاد، وهو شيء لم تحاول أي لجنة قائمة القيام به من قبل. وما أصبح يعرف باسم «لجنة تشيرش- تيمنا باسم رئيسها السناتور فرانك تشيرش- أوصت بإصلاحات واسعة النطاق، تتضمن إقامة لجنة دائمة لمراقبة الاستخبارات. ولم يعد على قيد الحياة من أعضاء لجنة تشيرش إلا كاتب هذه السطور ووالتر مونديل، نائب الرئيس السابق. 


وعلمنا في الآونة الأخيرة أن هناك 100 وثيقة على الأقل تجيز صلاحيات رئاسية استثنائية في حالة الطوارئ القومية، وهي فعليا صلاحات من دون رقابة الكونجرس أو القضاء، لتحقيق التوازن بين السلطات. وأشار الرئيس ترامب إلى هذه السلطات في مارس (آذار) الماضي، حين قال: «لدي الحق في القيام بأمور كثيرة لا يعلم حتى الناس بها». وبصرف النظر عمن يشغل المنصب، من حق الشعب الأمريكي أن يعلم ماهية السلطات الاستثنائية التي يعتقد الرئيس أنه يملكها. لقد حان وقت تأليف لجنة جديدة لدراسة هذه السلطات، والنظر في احتمالات إساءة استخدامها، وتوجيه النصح للكونجرس بالوسائل التي يمكن من خلالها فرض رقابة مشددة عليها على أقل تقدير. 


فقد بدأت السلطات السرية تتراكم في أثناء سنوات أيزنهاور، وتزايدت منذئذ. وكان الأساس المنطقي في الأصل، يتمثل في السماح للرئيس بممارسة سيطرة ضرورية في حالة حدوث حرب نووية، وهو احتمال بعيد للغاية منذ انتهاء الحرب الباردة. وهناك بند مبهم في قانون الاتصالات لعام 1934 يمكن الرئيس من إيقاف محطات الإذاعة ووسائل الاتصال الأخرى بعد «إعلان الرئيس لحالة طوارئ قومية». وطُبقت سلطات مثل هذه من حين إلى آخر؛ فبعد أيام قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أُعلنت حالة طوارئ قومية، وأعقبها أمر تنفيذي بعد ذلك بأيام، معتمدا على بعض السلطات الرئاسية، مثل استخدام الحرس الوطني وقوات الجيش الأمريكي. 


والقليل الذي نعلمه عن هذه السلطات السرية عرفناه من «مركز برينان للعدل» بكلية الحقوق في جامعة نيويورك. لكننا نعتقد أنها ربما تتضمن إجازة طلب المثول أمام المحكمة والمراقبة، ومداهمة المنازل والاعتقال دون مذكرة قانونية، والاعتقالات الجماعية، وغيرها، وبعضها قد ينتهك الحماية الدستورية. وحث بعض منا، على الفور، الكونجرس على إجراء تحقيقات تتعلق بماهية هذه السلطات وسبب إبقائها سرا. ويجب عقد جلسات علنية قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية، وخاصة مع كثرة الإشاعات التي مفادها أن الرئيس الحالي قد يتدخل في الانتخابات، أو يرفض قبول النتيجة، إذا شعر باحتمال خسارته. 


ومع اقتراب الانتخابات في غمرة جائحة يتسع نطاقها، فمن المشكوك فيه بشدة إجراء تحقيق علني واسع النطاق لهذه السلطات قبل نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. لكن هناك وقت أمام الكونجرس، كي ينظم لجنة مختارة، لغرض التحقيق، وكشف هذه السلطات الرئاسية السرية. ومن بين الأسئلة التي يتعين الرد عليها: من أين جاءت هذه السلطات السرية؟ وأين يتم الاحتفاظ بها؟ ومن الذي لديه إمكانية الوصول إليها؟ ما الذي يرقى إلى مستوى الطوارئ القومية ليكون موجبا لوقف كل الحماية الدستورية فعليا؟ ولماذا يجب أن تكون هذه السلطات سرية؟ وتستطيع هذه اللجنة المقترحة أن تستأنف الجلسات بعد الانتخابات لفحص مسوغات مثل هذا النظام الذي يتجاوز الدستور. 


وتوفر «لجنة تشيرش» قالبا مناسبا؛ فيجب حضور أعضاء بارزين من كلا الحزبين جلسات الاستماع من خلال، أولا طلب، أو إذا لزم الأمر، إصدار مذكرة استدعاء، الوثائق نفسها. والأشخاص من الإدارات السابقة الذين على دراية بهذه الوثائق يجب استدعاؤهم للشهادة، وأيضا استدعاء المسؤولين الحاليين، بما في ذلك مستشار الأمن القومي، والمدعي العام، ومستشار البيت الأبيض للأمن القومي. 


وأوضح الأسئلة الأولى: لماذا تبقى هذه السلطات واسعة النفوذ سرية، ليس فقط عن الكونجرس، لكن أيضا عن الشعب الأمريكي؟ وما سبب ضروريتها أصلا؟ أما كان يجب أن تكون هناك رقابة دائمة من الكونجرس لمراقبة هذه السلطات في أثناء التنفيذ؟ وتحت أي ظروف يجب التخلي عن نظامنا في الرقابة والتوازن بين الأفرع التنفيذية والتشريعية والقضائية من أجل استبداد؟ وبمجرد إعلان نظام استبدادي، ما المطلوب للعودة إلى نظامنا الديمقراطي تاريخيا؟ 


ومن الواضح أنه يمكن تكليف أي لجنة قائمة بالفعل في أي من غرفتي الكونجرس بعقد جلسات الاستماع هذه والتحقيقات. لكن إنشاء لجنة لهذا الغرض يشير إلى اهتمام خاص والتركيز على شيء واحد ومهمة محددة لا تشتتها واجبات أخرى. إننا لا نعيش في أوقات سياسية عادية. وهناك مغريات عظيمة تجعل رئيسا معرضا للخسارة يعلن الطوارئ القومية بسبب أخطار في الداخل والخارج، مما يتمخض عن هذا إمكانية دخول بلا رقابة لعشرات السلطات القصوى التي لم يعرفها الآباء المؤسسون ولا دستورنا. 


وبعض الناس يستبعدون هذه المخاوف لبعدها عن المحتمل. لكن جانبا كبيرا مما حدث في السنوات الثلاث والنصف الماضية، كان غير محتمل فيما يبدو. لماذا الشك في نوايا رئيس أعلن في إفادة في البيت الأبيض في أبريل (نيسان) الماضي قائلا: «حين يكون شخص ما رئيس الولايات المتحدة، تكون السلطة شاملة. وهذا هو واقع الحال»؟ من المؤكد أنه بصرف النظر عن الحزب أو مرجعية المرشح، يمكننا جميعا أن نتفق على أنه لا يوجد مسوغ لأن يكون للرئيس سلطات تظل محجوبة عن الكونجرس والصحافة والشعب الأمريكي. 

 

(الاتحاد الإماراتية)

0
التعليقات (0)