تقارير

النكبة واتجاهات تطور المتاحف الفلسطينية

متحف فلسطين الأثري.. شاهد على عروبة فلسطين  (وكالة الأنباء الفلسطينية)
متحف فلسطين الأثري.. شاهد على عروبة فلسطين (وكالة الأنباء الفلسطينية)
أنشئت إسرائيل على أكثر منذ اثنين وسبعين عاماً على القسم الأكبر من مساحة فلسطين، وتم طرد غالبية الشعب الفلسطيني خارج وطنه وتشتيته. وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تهويد فلسطين، عبر تهويد معالمها الجغرافية وكذلك ما يشي إلى تاريخها العربي والاسلامي. ولم تسلم المتاحف في فلسطين من سياسات التهويد. 

ويحتفظ المتحف الفلسطيني بدور بارز في الحفاظ على التراث الثقافي للشعب الفلسطيني على مر العصور من جهة إضافة إلى دوره في صناعة الحضارة البشرية والتواصل الإنساني. 

المتاحف قبل نكبة 48

استأثرت المتاحف بالآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهويتها. لقد تمَّ تأسيس عدة متاحف أثرية في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني (1922 ـ 1948)، وكان من أهمها: متحف الآثار الفلسطينية في مدينة القدس، ومتحف صغير في قلعة عكا التي تحطمت على أبوابها الهجمات الصليبية. وقد أقام المجلس الإسلامي الأعلى متحفاً في جامع عمر قرب المسجد الأقصى في القدس. 

وقد أنشئ متحف الآثار الفلسطينية بادئ الأمر في بناية تخص آل قطينة في منطقة سعد وسعيد؛ وفي سنة 1927 قدَّم روكفلر إلى حكومة الانتداب البريطاني مبلغ مليوني دولار، ليصرف نصفها في بناء متحف، وتوقف باقي القيمة لينفق ربعها على صيانته. وتم بناء المتحف عام 1935 في بستان كبير مزروع بأزهار وخلفه حديقة كبيرة مسورة ومزروعة. ونقلت الآثار من المتحف القديم إلى البناء الجديد. والمتحف هذا مكون من ثلاث صالات عرض وأربع غرف ومكتبة وغرفة مطالعة وقاعة محاضرات ومختبر وغرف للموظفين، وامتلأ المتحف بخزائن كثيرة للعرض ملآى بالآثار ابتداء من العصر الحجري إلى العصر البرونزي المتأخر (1600 ـ 1200ق.م). 

كما احتوى المتحف على آثار كبيرة تعود إلى العصور الإسلامية. وفي صالة العرض الغربية عرضت الآثار التي وجدت في قصر هشام بخربة المفجر وأغلبها من الجبس المنقوش. أما الغرفة الشمالية الغربية من المتحف فقد تضمنت معرضاً للمسكوكات الفلسطينية والأسرجة القديمة مرتبة حسب تاريخها. وفي صالة العرض الشمالية خزائن عرض تحتوي على آثار من العصر الحديدي. 

ويشار إلى أن في المتحف المذكور مكتبة كانت تضم ثلاثين ألف مجلد في عام 1948، وكان في الطابق السفلي من المتحف مخازن كبيرة فيها مجموعات أثرية غير معروفة توضع في متناول العلماء ورجال الآثار عند الطلب. ويضم متحف مسجد عمر كتابات تاريخية إسلامية وبعض السجاد ومجموعة صغيرة من الزجاج الروماني والخزف القديم. أما متحف عكا ففيه مجموعة من الزجاج والخزف القديم عثر عليها في مناطق مختلفة من فلسطين.‏

المتاحف بعد إنشاء إسرائيل 

وبعد إنشاء إسرائيل، حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة طمس الهوية الفلسطينية من خلال العمل على محورين: الأول، محاولة إنشاء متاحف إسرائيلية ونقل بعض الآثار القديمة من القدس إليها، أما المحور الثاني فتمثل بالشطب الممنهج لكل ما يؤرخ لعروبة فلسطين وهويتها الحقيقية من خلال سرقة الآثار الفلسطينية وتزويرها وعرضها في معارض إسرائيلية في أوروبا، حيث تكرر هذا المشهد حين عرض زي المرأة الفلسطينية على أنه زيّ إسرائيلي.‏ 

ومنذ عام 1948 وبفعل الحكم العسكري، استطاعت إسرائيل القضاء على فكرة إحياء متحف عربي فلسطيني داخل الخط الأخضر، لكن ذلك لم يمنع من احتفاظ البعض من الأقلية العربية بمقتنيات أثرية دالة على عروبة فلسطين وهويتهم العربية وانتمائهم الوطني، حيث الشعور بالانتماء والاستمرار به هو بمثابة قوة كامنة للحفاظ على الهوية التي تحاول إسرائيل تهميشها وبالتالي شطبها.‏ 

في مقابل ذلك أعلنت لجنة الحفاظ على التّراث في مدينة باقة الغربيّة قبل عدة سنوات عن انطلاقة الخطوات العمليّة من أجل إقامة أوّل متحف آثار عربيّ في الدّاخل الفلسطينيّ في قرية جتّ المثلّث؛ وشمل المتحف آلاف القطع الأثريّة، التي يعود تاريخها إلى حقب وفترات مختلفة، ستعكس الجغرافيا والتّاريخ لأصحاب الأرض الأصليين.

وفي السياق نفسه حافظ اللاجئون الفلسطينيون في المنافي القريبة والبعيدة على هويتهم وانتمائهم. وكنموذج للحفاظ على آثار فلسطين في اللجوء أنشأ الباحث الفلسطيني محمود يوسف دكوَّر في مدينة صور جنوب لبنان متحفاً خاصا ودائما يضم مقتنيات أثرية هامة دالة على هوية فلسطين وشعبها. فمن الزي الشعبي للمرأة والرجل في كافة مناطق فلسطين ومدنها، إلى مقتنيات البيت والمطبخ الفلسطيني خلال سنوات سبقت نكبة عام 1948، وصولاً إلى النقود الفلسطينية وطوابعها البريدية. ويشعر الزائر لمتحف الباحث الفلسطيني محمود دكور بالقرب من مخيم برج الشمالي في مدينة صور جنوب لبنان وكأنه يستحضر تاريخ فلسطين وهوية شعبها العربي.‏ 

وفي الاتجاه نفسه، تسعى الجالية العربية الفلسطينية في كافة دول أوروبا وأمريكا للحفاظ على هويتها من خلال حراكها السياسي والاجتماعي في مناسبات عديدة، لكن الأهم كانت خطوة تأسيس المتحف الفلسطيني في دول أوروبا التي انطلقت فكرته في عام 1998، وقد استحوذ على العديد من المقتنيات الأثرية في فلسطين. وللمتحف عنوان خاص على شبكة الأنترنت الدولية وهذا بحد ذاته يعتبر نقلة نوعية في الوعي الجمعي للهوية العربية الفلسطينية والحفاظ عليها من خلال تنشيط أداء المتاحف. 

وتنشط في الضفة الغربية وقطاع غزة عدة متاحف الفلسطينية، بفعل دعم النشاط المجتمعي. ويعتبر المتحف الفلسطيني في مدينة بيرزيت في الضفة الغربية من أهم المتاحف الفلسطينية، حيث تم إنشاؤه في عام 1997 قرب جامعة بيرزيت، ولم يقتصر هدف المتحف على الحفاظ على مقتنيات تاريخية فحسب بل تطورت أهدافه لجهة تعزيز الثقافة الوطنية والاحتفاء بها من خلال سلسلة مشاريع إبداعية وخلاقة تتيح لجمهور المتحف التأمل في الحاضر واستشراف المستقبل. 

وثمة أسماء عديدة أنشأت متاحف فلسطينية، ولو بمستويات أقل، في كل من مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان والضفة الغربية، فضلاً عن مخيمات قطاع غزة، وهناك حملة فلسطينية أكاديمية وشعبية بدأت بعد عام 1993 بغية توثيق التراث والتاريخ الشفوي الفلسطيني، ويعتبر هذا العمل مهماً في الوقت الذي تسعى فيه المؤسسة الإسرائيلية إلى ترسيخ فكرة يهودية الدولة.

دور المتاحف 

للمتاحف الفلسطينية دورها ووظيفتها الهامة، في المقدمة منها الحفاظ على الآثار الفلسطينية التي تعتبر دالة على شخصية الشعب العربي الفلسطيني وهويته التي تحاول إسرائيل الانقضاض عليها وشطبها في نهاية المطاف، والأهم من ذلك يجب أن تنتج المتاحف الفلسطينية روايات ممنهجة عن تاريخ فلسطين وثقافة شعبها، ولهذا تحتم الضرورة دعم التوجهات الفلسطينية في إنشاء مزيد من المتاحف الفلسطينية في داخل مناطق فلسطين التاريخية وفي مناطق اللجوء الفلسطيني، حيث من الممكن أن تساهم بعمليات الدعم الفني والمالي شخصيات ومؤسسات فلسطينية، وكذلك مؤسسات عربية ودولية منحازة للحقوق الوطنية الفلسطينية.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
التعليقات (0)