أفكَار

إغلاق المساجد بسبب الجائحة كيف انعكس على الحالة الإيمانية؟

إغلاق المساجد وتعليق الصلوات فيها بسبب تفشي وباء كورونا.. صورة لجامع الزيتونة بتونس (الأناضول)
إغلاق المساجد وتعليق الصلوات فيها بسبب تفشي وباء كورونا.. صورة لجامع الزيتونة بتونس (الأناضول)

أقدمت حكومات غالب الدول العربية والإسلامية على إغلاق المساجد كإجراء احترازي في إطار استراتيجيتها الرامية إلى مواجهة أخطار تفشي فيروس كورونا، ومحاصرة تداعياته، ومع تفهم الكثيرين لدواعي ذلك الإجراء إلا أنهم أبدوا أسفهم الشديد، وحزنهم البالغ على إغلاق المساجد طوال تلك الفترة، وتعالت أصوات الكثيرين منهم مطالبة بإعادة فتح المساجد مع اتخاذ كل التدابير الصحية اللازمة.

ومن المعروف أن المساجد تهيئ بيئات حاضنة للحالة الإيمانية، بما يتوافر فيها من صلاة الجماعة، وحلقات العلم، ومجالس الذكر، والتواصل بين المؤمنين، والتواصي بينهم بالحق والصبر، وهي بحسب علماء ودعاة من أسباب زيادة الإيمان، المحفزة لهم للاستزادة من أعمال البر والتقوى. 

استمرار إغلاق المساجد لما يزيد عن شهرين، أثار قلق الكثيرين بشأن تداعيات ذلك القرار على الحالة الإيمانية بمجملها، وفتح الباب لتساؤلات حول مدى انعكاس ذلك القرار على آداء الناس لعبادتهم بصفة منتظمة، وما توفره العبادات الجماعية التي تؤدى في المساجد من تحفيز وتشجيع وترغيب، وفيما إن كان ذلك القرار قد أدّى إلى فتور همم العابدين والذاكرين بسبب حرمانهم من تلك البيئات الدافعة لأعمال البر والخير، أم أنه عمق العبادات الفردية وجعلها تكتسب أبعادا جديدة، منحتهم بعض ما فقدوه من فضائل وبركات الأعمال الجماعية؟
 
في بيانه لأهمية المساجد وإبرازه لدورها في إكساب المؤمنين طاقة إيمانية متجددة، قال الباحث والأكاديمي الأزهري، أحمد الدمنهوري: "المساجد هي محل الطمأنينة والسكينة من تعب الحياة وشقائها، هذا التعب والشقاء الملازم لوجود الإنسان على هذه الأرض، كما قال تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، من هنا كانت المساجد موئل الراحة والطمأنينة".

 


 
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ففتح المساجد يخفف من ضغوط الحياة، فحينما يقف المسلم بين يدي الله تعالى تذهب عنه الكثير من الضغوط أو الطاقات السلبية التي تذوب مع الركوع والسجود فتهدأ نفسه لمعرفته أن ما قد يمر به من مصاعب له نهاية، وأن له ربا حكيما سيسانده، وأن له حكمة في فعله به أو أنه مثاب على ما يمر به من صعاب، من هنا كان إغلاق المساجد من عوامل زيادة التوتر بين الناس لا سيما إن علمنا أن المساجد لكونها محل الطاعة فإنها تكون مملوؤة بالملائكة، التي ارتبط لفظها في ديننا بالطمأنينة والسكينة والراحة كما ورد في الأحاديث النبوية".

 
وتابع: "هذا فيما يخص الانعكاس النفسي، أما الحالة الإيمانية فأرى أنها لن تتأثر كثيرا بذلك لأن جنة المؤمن الحقيقي في صدره وعلاقته بربه تغنيه عن الأماكن، مع عدم إنكار تأثير الأماكن بالطبع، لكن لا ينبغي أن يكون إغلاق المساجد ذريعة لضعف العبادة، بل ربما تكون فرصة لمزيد من خلوة المؤمن بربه، وإن كان الإغلاق يؤثر إيمانيا من ناحية التواصي والصبر الذي يفيد عموم المؤمنين، ومن يحتاجون إلى تشجيع وترغيب".
 
وحول مدى انعكاس إغلاق المساجد على الحالة الإيمانية للمؤمنين، أوضح الدمنهوري أن "مراتب العابدين متفاوتة، فهناك عابد مؤثر وعابد متأثر، وثمة عابد قوي وعابد ضعيف، فإغلاق المساجد يضر الضعيف الذي يحتاج إلى تشجيع والكسول الذي يحتاج إلى تنشيط، وكلنا كذلك، فإغلاق المساجد يؤثر من هذه الناحية، فالمساجد هي محل الأنوار في هذا العالم وإن أُغلقت ضعفت مراكز الطاقة الإيجابية على الأرض ـ إن صح التعبير ـ فتكثر المشاكل والنزاعات، فالتردد على المساجد خمس مرات في اليوم يمد المؤمنين بزاد إيماني ينتفعون به في دنياهم وآخرتهم".

من جهته قال الباحث المغربي في الفكر الإسلامي، حفيظ هروس: "على الرغم من حالة الحجر الصحي التي عرفتها أغلب الدول في العالم، وما رافق ذلك من إغلاق دور العبادة بما فيه المساجد، وتعطيل الصلوات فيها، فمما لا شك فيه أن أجور المصلين ثابتة كأجور أدائها في الجماعة أو أكثر استنادا إلى صفاء النية وحسن الإخلاص، مع قيام العذر الشرعي".

 

 


واستشهد هروس بحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي يرويه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما دنا من المدينة بعد رجوعه من غزوة تبوك قال "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة، قال "وهم بالمدينة حبسهم العذر"، ونقل السيوطي في الأشباه والنظائر عن غير واحد من العلماء أن "المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كانت نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها".
 
ولفت في حواره مع "عربي21" إلى أن "الأعمال إذا تعلقت بها النية والإخلاص فهي أعمال حيه لا مجرد رسوم وطقوس، لأن ما يضفي على الأعمال الحياة ويجعل الروح تسري في أوصالها الإخلاص، سواء أدّاها المؤمن في المسجد أو غيره فـ(الأعمال صور قائمة، وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها) جاء في الحكم العطائية".
 
ونبه هروس إلى "أن تعلق قلوب المؤمنين بالمساجد تعلق روحي ووجداني عميق باعتبارها بيوتا لله، تؤدى فيها الصلاة، ويذكر فيها الله، وتحصل فيها الرحمة والسكينة مما لا يمكن أن يعوضه أي مكان آخر كما وصفه سبحانه في سورة النور (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..)، أما الوظائف الاجتماعية التي كان يؤديها المسجد من تعليم، وإيواء وضيافة (أصحاب الصفة)، والتداول في شأن جماعة المسجد.. فقد تمّ إفراغ المسجد منها منذ زمان".
 
وفي الإطار ذاته لاحظ الباحث الأردني في الفقه الإسلامي، والخطيب في وزارة الأوقاف، محمد أبو هاشم سوالمة أن فرض الحجر، بما صاحبه من إغلاق المساجد "زاد من تعلق الكثيرين بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا، ودفع إلى إقامة الجماعات في البيوت ومع العائلات، حتى فعل ذلك بعض مَن لم يكن يحافظ على أداء الصلاة جماعة في المسجد قبل كورونا".

 


 
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقولك "كما إن إغلاق المساجد جعل الكثيرين ينتبهون لأهمية المساجد في حياة المسلمين، ودورها في التربية الإيمانية، وجعلهم يدركون أهمية حفظ القرآن للصلاة به، ودور أئمة المساجد في أدّاء مهام الإمامة والوعظ والإرشاد والتعليم والتوجيه".
 
وذكر سوالمة أن "من ثمرات العبادات الجماعية والفردية زيادة الإيمان وتقويته، وتحسين الأخلاق وتزكية النفوس" مشيرا إلى أنه لاحظ كثرة الأسئلة التي تلقاها أثناء الحجر على الهاتف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الطلاق، وهو ما دفعه للاستغراب، الأمر الذي يدلل من وجهة نظره على أن من مساوئ الحجر زيادة المشاكل الزوجية، وإقدام بعض الأزواج على الإساءة لزوجاتهم".
 
بدوره رأى الباحث السوري في العلوم الإسلامية، أحمد زاهر سالم أن "إغلاق المساجد ربما كان عاملا محفزا لتقوية الإيمان في الذات من الذات، وتنمية العبادة الفردية الذاتية التي كادت تغيب وتغلبها العبادة الجماعية، أما الفتور فهو واقع خصوصا مع طول المدة".

 


 
وختم حديثه لـ"عربي21" بالإشارة إلى أن "العبادة الفردية لا يمكن أن تكون عوضا وبديلا عن الجماعية، فلكل منهما نورة وبركته وأثره، ولكن للضرورة أحكامها، ومن كان قبل كورونا حريصا على العبادة الجماعية فيرجى أن يكتب الله له أجرها أثناء كورونا لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحا مقيما)".

التعليقات (0)