أفكَار

أساسيات من أجل سياسة رشيدة في تعاطي الغرب مع الإسلاميين

جانب من المشاركين في مؤتمر بالدوحة عن الإسلاميين ونظام الحكم الديمقراطي  (الأناضول)
جانب من المشاركين في مؤتمر بالدوحة عن الإسلاميين ونظام الحكم الديمقراطي (الأناضول)

لازال ملف التعاطي مخرجات الإسلام السياسي يمثل معضلة كبيرة ليس في الوطن العربي فحسب، وإنما وبشكل أساسي في عواصم صناعة القرار الدولي.. 

وعلى الرغم من كل المراحل التي قطعها العالم العربي منذ نجاح الثورة التونسية، وفداحة الأثمان التي دفعها العرب لجهة حقهم في تقرير مصيرهم واختيار حكامهم، فإن معضلة التعاطي مع الإسلاميين ظلت العقبة الكأداء أمام سهولة الانتقال الديمقراطي.. وكما أثبتت نظرية الاستئصال الأمني والحكم الفردي فشلها في التأسيس لاستقرار مستدام يضمن مصالح الجميع، فقد تعثرت محاولات البناء لانتقال ديمقراطي حقيقي في عالمنا العربي لأسباب مختلفة.

الباحث والكاتب المغربي بلال التليدي الخبير بشؤون الحركات الإسلامية، يقدم في هذه الورقة الخاصة بـ "عربي21"، قراءة متأنية في الشروط المطلوبة لتأمين استقرار حقيقي في بلداننا يضمن عدم الإقصاء ويدعم الانتقال الديمقراطي، كما يضمن مصالح الدول المعنية بمنطقتنا. 

 

في مفهوم التعاطي مع الإسلاميين

بدءا نقرر أن التعاطي مع الإسلاميين، لا يقصد به البعد المعرفي في دراسات الإسلاميين فقط، فهذا مجرد جانب واحد ويكاد يكون الانشغال به لا يتعدى الدائرة الأكاديمية، وقد يكون له بعض الصدى السياسي، بقدر التأثير الذي يحدثه المجتمع الأكاديمي في حقل السياسة.

فنقصد للتحديد الدقيق، بالتعاطي مع الإسلاميين، المعطى المعرفي الذي تحول معطياته إلى سياسة رشيدة في التعاطي مع الإسلاميين، تدعم الاستقرار والأمن، وتتفادى التحديات المؤلمة التي تؤثر على مصالح الدول، ومصائر الشعوب.

فبهذا المفهوم، نوسع المضمون، ونرسم جسرا للتواصل بين مراكز الأبحاث ذات الاختصاص المعرفي، وبين صناع القرار السياسي المنشغلين بإعداد سياسات تحقق مصالح بلدانهم، وتضمن الأمن والاستقرار في المنطقة، كما يتسع هذا المضمون للمصلحة بمفهومها السياسي والدولي، إذ لا فائدة من بناء أطروحة لا تتضمن عناصر الإقناع لمختلف الفاعلين في السياسة، وصناع القرار السياسي الغربي المعنيين بدرجة أولى بتبني سياسة رشيدة في التعاطي مع الإسلاميين.

نقدر أن هذه التوطئة الأولية مفيدة، حتى لا تذهب بنا حدود الموضوعية بعيدا، ونتصور أننا بصدد تعاطي معرفي يشترط الصرامة المنهجية والعلمية في التعامل مع تيار من تيارات السياسة في الوطن العربي، وحتى نوفر الشروط الصحيحة للتواصل مع الآخر، وتعريفه بأساسيات الأطروحة وتوجهاتها وحججها، ونضمن بذلك انخراطه فيها، أو على الأقل، لبناء أطروحة تكتسب قوة الرواج في سوق التوصيات المتداولة لدى صناع القرار السياسي.

الإسلاميون بين مطلبي الديمقراطية والاستقرار

لعل أول أساس يتطلب تعميق النقاش بشأنه، هو ما يرتبط ببناء مفاهيم في السياسة، تحدد العلاقة بشأن واضح بين الديمقراطية والاستقرار، وبين الاستقرار وتأمين المصالح، وبين الديمقراطية والاستقرار والتقليص من مساحات الراديكالية، وبين كل هذه العناصر ومفهوم المصالح الغربية في المنطقة بتعريفها الجديد.

نعترف أنه من الصعب تجاوز الخلاصات المهمة التي انتهت إليه أطروحة استئصال الإسلام السياسي (معهد واشنطن) وأطروحة محاصرة الإسلام السياسي وعزله (راند) وأطروحة فشل الإسلام السياسي (كيبل وروا)، وأطروحة تحولات الإسلام السياسي (معهد كارنيجي وبروكينغز) وأطروحة ما بعد الإسلام السياسي (آصف بيات وروا)، كما نعترف أنه من غير المفيد التشكيك في كل أفكارها وحججها، وتبخيس قيمتها العلمية، فضلا عن مستندها في واقع السياسة، لكننا في المقابل، نعتبر أن بناء أطروحة جديدة، لا يعني بالضرورة إلغاء التراكم الحاصل، ولا نبذ مخرجاته لمجرد أن القصد هو بناء أجوبة تجاوزية لأطروحات معطوبة في نسقها الكلي.

والحقيقة أن الذي يمكن مجادلته بشكل قوي، هو الرؤية الأمنية التقليدية التي تجنح للربط بين تأمين المصالح الغربية، وبين دعم منظومة التحكم والاستبداد التي تمثلها الأنظمة السلطوية، وهو الخط الفاصل بين الرؤية التي يحاول هذا المقال التأصيل لأساسياتها، وبين مختلف الأطاريح التي قاربت الإسلاميين، ونظرت لشكل التعاطي معهم.

 

مختلف الحلفاء الذين تم الرهان عليهم، أو على تنشئتهم لخلق واقع سياسي آخر ينكفئ فيه الإسلاميون، أو تتقلص فيه شعبيتهم ويتراجعون عن تشكيل القوة السياسية الأولى، قد ظهر فشلها. فلا العلمانيون تقدموا، ولا الأنظمة استطاعت أن تخلق بدائل اقتصادية واجتماعية مريحة، تعفي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من مواجهة التهديد الذي تمثله الراديكالية الإسلامية.

 



وسبب المجادلة القوية لهذه الرؤية، أو سبب الرفض الشديد لها، أنها رؤية للمدى القريب والمتوسط، وليست رؤيا للمستقبل، كما أنها تخلق واقعا أعقد من سابقه، لا من حيث شروط الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ولا من حيث قوة الإسلاميين ونفوذهم الشعبي، ولا من حيث توسع الراديكالية الإسلامية، إذ جميع البدائل التي تم الاشتغال عليها، ومختلف الحلفاء الذين تم الرهان عليهم، أو على تنشئتهم لخلق واقع سياسي آخر ينكفئ فيه الإسلاميون، أو تتقلص فيه شعبيتهم ويتراجعون عن تشكيل القوة السياسية الأولى، قد ظهر فشلها. فلا العلمانيون تقدموا، ولا الأنظمة استطاعت أن تخلق بدائل اقتصادية واجتماعية مريحة، تعفي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من مواجهة التهديد الذي تمثله الراديكالية الإسلامية.

في ضرورة القطع مع الرؤية الأمنية في التعاطي مع الإسلاميين

الأساس المفهومي الأول، الذي يسعى هذا المقال إلى تأصيله، هو القطع مع السياسات الغربية التي تستعيد كل مرة الرؤية الأمنية التقليدية في دعم منظومة التحكم والإقصاء للإسلاميين، والاتجاه بدلا عن ذلك إلى الربط التلازمي بين الديمقراطية وبين الاستقرار، وبين الاستقرار وتأمين المصالح الغربية، فليس هناك أفضل للاستقرار في العالم العربي من المسار الديمقراطي، وليس هناك أفضل للمصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة من الاستقرار.

معضلة صعود الإسلاميين

تنشأ عن هذا الأساس المفهومي، معضلة لم تستطع مراكز البحث الأمريكية والأوروبية أن تجد حلا لها يقنع صناع القرار السياسي الغربي، وهي التلازم بين مسار الدمقرطة في العالم العربي، وبين تحدي صعود الإسلاميين.
 
الجواب الذي قدمته أطروحة التحولات أو أطروحة ترشيد الإسلاميين (كارنيجي وبروكنغز)، وهي المعنية وحدها بفك هذه المعضلة، كان هو الإقناع بأن الإسلاميين سيتحولون في سياق اندماجهم، وأن تجاربهم في العملية السياسية، قدمت بعض النماذج على هذا التحول، وأنهم سائرون بشكل مطرد نحو نموذج ليبرالي علماني يجعل الغرب في المحصلة يثق بهم ويرفع هواجسه عنهم وقلقه إزاءهم.

صحيح أن التحولات هي أمر ملازم لمسار الاندماج، وهو بالمناسبة ليس خاصا بالإسلاميين، وإنما هو أمر ملازم لكل التيارات التي تدخل إلى العملية السياسية، لكن الجواب الذي قدمته المراكز التي تتبنى أطروحة التحولات، لا يقدم حلا مقنعا، ولا ضمانات تبدد شكوك الغرب من الإسلاميين داخل مربع السلطة، فالذي يحرك صناع القرار السياسي في المحصلة هي مصالحهم، وهي أمر غير متروك للمغامرة، أو انتظار مسار تحول ما قد يقع أو لا يقع. ولذلك تقديري أن طبيعة الجواب ينبغي أن تختلف، وبدل أن يتم الإقناع بتغيير الأنظمة السياسية الاستبدادية، وإحداث تحولات في فكر وسلوك الإسلاميين، كان من الأليق في مرحلة وسيطة، أن يتم الرهان على جواب آخر، يضغط على الأنظمة والإسلاميين معا، للتواضع على صيغة توافقية، تضمن خروج الإسلاميين من دائرة الحصار والإقصاء، والقبول بدورهم الحيوي في مساحة التدبير، وتضغط على الأنظمة الاستبدادية وترهن استمرارها بإنهاء منظومة التحكم في التعاطي مع مكونات البيئة السياسية.

الصيغة المغربية والتونسية

والحقيقة، أن تأمل تجارب الربيع العربي، وبشكل خاص تجربتي كل من المغرب وتونس، تشير إلى نجاح هذه الصيغة التوافقية، وفشل غيرها من التجارب التي كان الصراع فيها على السلطة، وليس على مواقع في التدبير، فقد أبانت تجربة تونس، عن تنازلات كبيرة للإسلاميين وانزياحهم من موقع الصراع على السلطة إلى موقع التدبير، وتغليبهم للتوافق الوطني، كما نجحت التجربة في المغرب، ولا تزال مستمرة تقاوم الضغوط الإقليمية التي تطلب إنهاء وجود الإسلاميين في مربع الشراكة في تدبير الشأن الحكومي.

لقد أبانت التجربتان، اللتان أنتجتا نموذجا تقريبيا غير مكتمل لهذه الصيغة، عن قوة الحجة التي تربط بين الديمقراطية والاستقرار، وقوضت في المقابل الحجة التي تربط بين وصول الإسلاميين لمربع التدبير الحكومي والتهديد الذي يشكلونه للمصالح الغربية، فلم تتأثر المصالح الفرنسية والأمريكية والإسبانية لحظة وصول الإسلاميين للحكومة في المغرب، ولم تتأثر المصالح ذاتها في تونس، بل إن التقييم الحقيقي لتدفق هذه المصالح، يمكن أن يخرج  بنتائج مثيرة، ذلك أن المصالح الفرنسية والإسبانية في المغرب على سبيل المثال، توثقت أكثر في زمن قيادة الإسلاميين للحكومة، إلى الدرجة التي صدرت فيها مواقف خارجية إسبانية صريحة تؤيد سياسات الإسلاميين في حكومة العدالة والتنمية، ولم يصدر أي موقف فرنسي منزعج من قيادتهم للحكومة.

 

الحقيقة، أن تأمل تجارب الربيع العربي، وبشكل خاص تجربتي كل من المغرب وتونس، تشير إلى نجاح هذه الصيغة التوافقية، وفشل غيرها من التجارب التي كان الصراع فيها على السلطة، وليس على مواقع في التدبير،

 



ولذلك، نميل إلى أن استمرار التوجس من جانب الإسلاميين ومن جانب الحكومات الغربية، لا يمكن أن يتبدد إلا من هذه الزاوية، وفي ظل نسق سياسي، تمثله أنظمة تحظى بثقة الغرب، ويحظى فيها الإسلاميون بمواقع مؤثرة في صناعة السياسات الحكومية. 

مشكلة الثقة ومشكلة الاستقرار

هذا الجواب، في تقديري يضمن حل مشكلتين، مشكلة الثقة من جانب الغرب، لأنه يميل إلى الثقة أكثر بالأنظمة التي بنى معها علاقات تاريخية طويلة في الزمن، ومشكلة الاستقرار ومكافحة التطرف، والتي لا يمكن أن تتم إلا بانفتاح للنسق السياسي، وإنهاء وقطع مع منظومة التحكم.

قد ينشأ عن هذا الأساس تحفظ يرجع إلى شكل تمثل الديمقراطية، فالمبدئيون الذين يدخلون السياسة بنماذجهم المعيارية، لا يرون إمكانية لتصور تقدم ديمقراطي من غير حسم مع أنظمة الاستبداد، لكن طريق الجدل مع هذه الحجة، يتطلب استدعاء أدبيات الانتقال الديمقراطي، والحاجة لتأسيس توافقات وتفاهمات فوق دستورية، تؤسس لقواعد السياسة، وتنهي المعضلات التي تؤرق اتجاهات السياسة الدولية في الشرق الأوسط، وتخلق واقعا سياسيا يساعد في تبديد الثقة بين الغرب وبين الإسلاميين.

لكن، تحقيق هذا الأساس، الذي يضمن تفاهمات وتوافقات بين الأنظمة وبين الإسلاميين، يستلزم الابتعاد مطلقا عن النماذج الديمقراطية المقترحة غربيا، سواء منها ديمقراطية التمييز (إقصاء الإسلاميين من الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها) كما يمثلها نموذج معهد واشطن الذي يدعو إلى ديمقراطية من غير إسلاميين، أو ديمقراطية الإرشاد (نموذج معهد كارنيجي ديمقراطية مع إسلاميين يطلب منهم البرهنة على اعتدالهم)، وأن يتم الاستعاضة عن ذلك، بترك التحول يأخذ مساره فيما عدا صيغة التوافق المتفاهم حولها، وضمانات عدم العودة لدعم منظومات التحكم والتواطؤ مع الأنظمة لإعادة تشغيلها ضد الإسلاميين ومختلف القوى الديمقراطية.

التجربة المصرية والسيناريوهات المدمرة

لا نحتاج لنتأمل مصير التجربة المصرية بعد إسقاط حكم الإخوان، مع الإقرار بالأخطاء التي ارتكبوها في شكل تعاطيهم مع السلطة والتدبير معا، لكن، ثمة تقييم يكاد يصل للإجماع بأن الوضعية التي وصلت إليها مصر اقتصاديا واجتماعيا، منبئة بتفجر مستقبلي مجهول لا يمكن توقع مآلاته، وقد يتسبب في  إعادة بروز الراديكالية وبحجم أقوى بعد أن قطعت مصر مسارا مهما في إنهاء ظاهرة العنف الجهادي، وانتهت تجارب الجهاديين، في الجماعة الإسلامية والجهاد لتدشين مراجعات وقف العنف، والتحول للعمل السلمي، وخوض تجربة الاندماج السياسي مع ربيع الشعوب. وقد برزت معالم لهذا السيناريو المدمر.

الأساس الذي لا يمكن تصور بديل له في هذا السياق، أن تترك التجربة الديمقراطية تتمخض وتفرز خياراتها وتجاربها، وأن يكون عين الحكومات الغربية، فقط على الصيغة التوافقية التي تضمن تأمين مصالحهم من جهة، وتضمن من جهة أخرى انطلاق مسار الدمقرطة في بعده الانتقالي.

في القطع مع منطق التصنيف للفاعلين والبحث عن حلفاء

على أن ترك هذه التجربة تؤسس جذورها وتفرز ثمارها، يتطلب من بين ما يتطلبه الانتهاء من رعاية الفاعلين السياسيين، والقطع مع منطق التصنيف لخارطتهم، وهذا حليف، والآخر، عدو، وهذا يمكن تنشئته، والآخر يجب توجيه تحالفاته في هذا السياق أو ذاك على الشاكلة التي يشتغل بها مركز راند، فهذا خطر آخر ينضاف إلى المخاطر الأولى التي تزيد الوضع تعقيدا، إذ ينبغي الالتزام بالانتهاء من هذه السياسات، وترك العلمانيين في سياقاتهم المختلفة لأنفسهم، يطورون نموذجا علمانيا أو ليبراليا عربيا، يستطيع أن يفك أزمة هامشيتهم وعزلتهم وضعف تمثيليتهم في حقل السياسة.

مضمون تحولات الإسلاميين

ومن ضمن أساسيات هذه الأطروحة أيضا، موقع تحولات الإسلاميين ضمنها. وتقديري أن أكبر المخاطر التي ينبغي مواجهتها، هو رسم النماذج المعيارية لشكل التحول الذي ينبغي للإسلاميين أو العلمانيين أن يؤولوا إليه، ذلك أن ما يهم في مسار الدمقرطة، هو الصيغة التوافقية التي فصلنا في مضمونها ومكوناتها، ومؤسسات الدولة الحيادية، التي تضمن توازن السلط وعدم تغول أي مكون من المكونات على الصيغة التوافقية، ولا على التفاهمات المبرمة حول إنهاء منظومة التحكم، أما ما عدا ذلك، مما هو مرتبط بتحولات التيارات السياسية، فهو متروك للقواعد الدستورية والأطر القانونية التي تنظم العملية السياسية، وللمؤسسات الدستورية الحيادية، وتجارب الاندماج، ولقوة النقاش العمومي، وللعمليات الانتخابية التي تكافئ التيارات أو تعاقبهم.

في موقع الدين من الصراع السياسي

صحيح أن هناك من سيثير بعض المآخذ على هذا الأساس، ويدفع بحجة توظيف الإسلاميين للدين في السياسة، واستعانتهم بالدين في الحملات الانتخابية لتقوية مواقعهم، لكن تجنب هذه السيناريوهات، تتم بالصياغات الدستورية والقانونية التي يتم التوافق عليها، كما في تجربة المغرب، التي انتهى فيها الإسلاميون إلى تخيير المنتمين إلى حزبهم بين الوظائف الدينية أو ترك الحزب، وهو الوضع الذي أصبح مؤطرا قانونيا، ودستوريا من خلال إشراف الملك على الحقل الديني بشكل حصري، ومنع توظيفه من قبل الأحزاب.

إن الجواب عن هذه الإيرادات لا يتصور خارج إبداع صيغ لتدبير الحقل الديني تناسب كل سياق على حدة، بحيث يكون الهدف من ذلك، الإبقاء على الصفة الجامعة للدين، وإبعاد محاولات تسييسه ليكون خادما لهذا التيار أو ذلك، وجعل التنافس السياسي يتم تبعا للقوة الاقتراحية في تدبير السياسات العمومية، وليس على أرضية الدين.

 

لا نحتاج لنتأمل مصير التجربة المصرية بعد إسقاط حكم الإخوان، مع الإقرار بالأخطاء التي ارتكبوها في شكل تعاطيهم مع السلطة والتدبير معا، لكن، ثمة تقييم يكاد يصل للإجماع بأن الوضعية التي وصلت إليها مصر اقتصاديا واجتماعيا، منبئة بتفجر مستقبلي مجهول لا يمكن توقع مآلاته،

 



لقد أثبت التجربة المغربية، أن التحولات التي تتعلق بالعلاقة بين الدعوي والسياسي، مرجعها الأساس ليس فقط إلى تجربة الاندماج السياسي، ولكن أيضا إلى الشكل الدستوري لنظام الدولة، والوظيفة الدينية التي يشغلها الملك، وإلى القوانين المؤطرة التي اضطر الإسلاميون إلى التكيف معها.

هذه بعض الأساسيات التي نفترض أنها تقدم معالم رؤية جديدة في التعاطي مع الإسلاميين، تحقق ضمن شروط المرحلة التي نرجح أنها ستمتد إلى مديات متوسطة، تحقيق الاستقرار والدمقرطة في بعدها الانتقالي، وتؤمن المصالح الغربية، وتخلق الشروط الصلبة لإنهاء ظاهرة التطرف او على الأقل تقليصها إلى ابعد الحدود، وتبدد شكوك الدوائر التي تنعطف بسرعة إلى الرؤية الأمنية التقليدية، كلما شعرت بأن سياسات دعم التحولات الديمقراطية تتجه عكس مقاصدها ومصالحها.

التعليقات (1)
هل نلذغ ألاف المرات!؟
الجمعة، 15-05-2020 05:33 م
ما فعله الغرب و يفعله مع تركيا يأكد أن الغرب لا يريد لا إسلام سياسي و لا ديمقراطية منا ولا حرية لنا بل يريد عبيد و أرضهم للبيع وفقط.