صحافة دولية

الغارديان: لا تنسوا أن أزمة كورونا ببريطانيا كان يمكن تجنبها

انتقدت بشدة التباين في حجم الصدمة الذي عكسته وسائل إعلام بريطانية إبان ذروة الجائحة بإيطاليا و"اللامبالاة" مع اجتياحه البلاد- جيتي
انتقدت بشدة التباين في حجم الصدمة الذي عكسته وسائل إعلام بريطانية إبان ذروة الجائحة بإيطاليا و"اللامبالاة" مع اجتياحه البلاد- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للكاتبة "نسرين مالك"، أعادت فيه استعراض مشهد انتشار فيروس كورونا المتسجد "كوفيد-19" بالمملكة المتحدة، حتى تسجيلها 10 آلاف وفاة، معتبرة أن هذه الأزمة، التي ما تزال تأخذ منحى متصاعدا، كان يمكن تجنبها منذ البداية.

 

وقالت "مالك"، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إن وفيات المصابين بالفيروس في بريطانيا قبل أربعة أسابيع كانت بالعشرات، وفي المقابل كان المرض ينهش إيطاليا، حيث كانت أرقام الوفيات التي تنشر كل يوم مخيفة، وغرقت البلاد واستسلمت لسيناريو مأساوي بسبب فشل فرض الحجر وعدم توقع سرعة الانتشار، حتى سجل أعلى رقم وفيات في يوم واحد بإيطاليا في 28 آذار/ مارس: 971.

 

وسلكت إسبانيا مسارا مشابها، وسجلت أعلى حصيلة وفيات بعد ذلك بخمسة أيام، حيث وصل إلى 950. أما بريطانيا فقد تخطت البلدين الأوروبيين، الجمعة، إذ سجلت 980 وفاة.

 

تجاوزت المملكة المتحدة الآن الأرقام الكارثية التي توقفنا عندها قبل أسبوعين فقط، بحسب الكاتبة، في مشهد متكرر، وسط تسجيل وفيات بين الأطباء والممرضين والممرضات الذين جابهوا حالات الإصابة بالفيروس بدون ما يكفي من المعدات الواقية.

 

وامتلأت عنابر كوفيد-19 ببريطانيا، في نسخة لمشاهد نداءات الإستغاثة من العاملين الطبيين الإيطاليين قبل أسابيع. كما اختفت الورديات المحددة لتصبح مناوبة متتابعة للعاملين في الصحة. ولكن رغم كل ذلك فإن الإحساس بالكارثة الذي عكسته أخبار إيطاليا سابقا ما يزال غائبا هنا، كما هو غياب الحديث عن الحاجة الملحة لفهم ماذا يحصل.


وتضيف الكاتبة أن التجربة الإيطالية شكلت مشهدا مبكرا لما يمكن أن تكون عليه الأمور في المملكة المتحدة، وأكثر من ذلك، فقد صدرت تحذيرات إيطالية مباشرة إزاء المخاطر المحتملة جراء تفشي الفيروس والإجراءات التي يتوجب اتخاذها.

 

كما تؤكد أن أصواتا حذرت لندن مبكرا من الأخطاء التي ستكلف أرواحا، ففي 27 آذار/ مارس كتبت المؤلفة "فرانتشيسكا ميلاندري" رسالة للمملكة المتحدة، جاء فيها: "نراقبكم بينما تتصرفون بالضبط كما فعلنا. إن لديكم نفس النقاشات التي كانت لدينا قبل وقت قصير، بين من يقولون إنه مجرد انفلونزا، فلم كل هذه الضجة؟ وبين أولئك الذين فهموا الحقيقة".


وتعتبر "مالك" أنها "حالة مدهشة أن نستيقظ كل يوم مع وفاة ألف شخص تقريبا وألا نرى ذلك العدد على الصفحات الأولى وألا نسمع أسئلة بشأن هذا الرقم توجه للسياسيين في كل مقابلة، مع المطالبة بالإيضاح. وكأن الأشخاص الذين تقع على عاتقهم مسؤولية توجيه هذه الأسئلة من صحافيين سياسيي المعارضة تعرضوا جميعا لمسح جماعي للذاكرة".

 

"يجب أن يكتب كل تقرير حول حجم الأزمة بلغة المساءلة"، تؤكد الكاتبة، وأن يقوم على مبدأ إمكانية الوقاية من الكارثة. وبالرغم من التجارب السابقة الماثلة أمامنا (الصين وايطاليا واسبانيا)، تلكأت الحكومة وأضاعت وقتا ثمينا وأضفت على القضية "الاستثنائية البريطانية"، بحسبها، والتي تقضي بأنه: لا داعي لاتخاذ اجراءات قاسية لأن الأمور ستجري في المملكة المتحدة بشكل مختلف.


ولو كانت هناك فرصة للمساءلة فقد أصبحت أقل احتمالا مع مرض بوريس جونسون، تضيف الكاتبة، "فمأساة الأمة أصبحت ثانوية بالنسبة لإصابته"، ويمكن فهم أن دخول رئيس الوزراء المستشفى – وضع فريد ويزعزع الاستقرار – يجب أن يقلق الإعلام والحكومة، ولكن تم تغليف مرض جونسون بسردية أوسع تشير إلى تضحيته ولامبالاته، فتم تحويل إصابته وشفائه إلى مسألة تعكس ميزاته الشخصية، بحسبها، وهذا ما انتشر على نطاق واسع في أجزاء كبيرة من الصحف، حيث دفنت أخبار آلاف الموتى والعائلات التي فقدت أفرادها بالأخبار اليومية عن صحة رئيس الوزراء و"معنوياته العالية" في غرفة العناية المركزة.

اقرأ أيضا: "كورونا" حول العالم في 24 ساعة.. الإصابات تناهز مليونين

 

أما الأسئلة حول مسؤوليته عن الأرواح التي تفقد على مستوى البلد – رسائله التي تشير إلى اللامبالاة ومصافحة المصابين وتأخره في إغلاق البلد وسياسة "مناعة القطيع"، ونقص الفحوص ونقص الأجهزة وأجهزة التنفس – فلم يتم طرحها. كما برر منظمو مهرجان "تشيلتنهام" والذي جذب أكثر من 250 ألف شخص من 10 إلى 13 آذار/ مارس بالإشارة إلى مباراة كرة الرغبي الدولية التي حضرها جونسون قبل ذلك بأيام.


كان استخدام "لغة الحرب" ناجحا، بحسب الكاتبة، حيث تم تصوير الفيروس على أنه عدو علينا أن نحاربه، بدلا من تصوير المشكلة على أنها سلسلة من الفشل في سياسات الصحة العامة. وتحولت أعداد الوفيات اليومية لا تشير إلى حالات فقدان حزينة ولكن عبارة عن عداد لضحايا المعركة. وحتى رسالة الملكة التي دعت إلى العزم النبيل، فقد حولت الأزمة إلى "قدر إلهي علينا أن تحمله بحشد قوة الشخصية القومية البريطانية".

 

وبالرغم من حجم الأزمة، فإن الكثير والأطباء والممرضين والممرضات يخشون الحديث، بحسب "مالك"، التي قالت إنها تلقت على مدى الأيام القليلة الماضية رسائل "واتساب" من عاملين في خدمات الصحة الوطنية، يخشون استخدام الايميل خشية أن تتم محاسبتهم – يتحدثون عن خدمات تعاني من ضغط شديد وعن عاملين ليست لديهم حماية كافية ويقومون بالعمل ورديات يصل طولها إلى 36 ساعة.

 

وتقول إن التصفيق لهم سيتكرر كل أسبوع بينما تدعي الحكومة أنها تدعم الخدمات الصحية، إلا أنه يتم إسكاتهم في حال عبروا عن مخاوفهم، وهناك جهود لإسكات الأصوات الجريئة مثل صوت "عبد المعبود تشودري"، وهو طبيب مستشار، طالب علنا بمعدات وقاية، ولكنه توفي بعد أيام قليلة مصابا بفيروس كورونا.

 

كان الموقف الرسمي يوم الثلاثاء هو أننا "نتحرك بالاتجاه الصحيح". في ذلك اليوم تضاعف عدد الوفيات تقريبا ووصل إلى 786. 


إن التناقض بين الأرقارم وقلة الاهتمام الذي تلاقى به له أثر مخدر، بدون شك، وفق المقال. وما يجعل الأمر أسوأ هو أن هنالك ظروفا استثنائية يجب التعامل معها من العزل الذاتي إلى فقدان الدخل إلى تعطل العمل والحياة الشخصية. كما أن هنالك فرق الوقت، فمن الصعب علينا بينما نعيش الإغلاق أن نغضب على قرارات تم اتخاذها في الماضي هي المتسببة بفقدان الحياة اليوم، والأصعب من ذلك عندما تهربت الحكومة خلسة من المسؤولية ووضعتها على الشعب، حيث ردت على أي مخاوف بالتكرار الآلي للتعويذة: "ابقوا في البيت، احموا خدمات الصحة الوطنية، وأنقذوا الأرواح".

 

ولذلك، وبينما تفقد الأرواح بالمئات كل يوم ننشغل بمسائل متعلقة بالشرطة والتباعد الاجتماعي وإغلاق الحدائق، بدلا من فشل سياسات الحكومة.


وتختم الكاتبة بالقول: "ارجعوا بالذاكرة أربعة أسابيع، وتذكروا كيف نظرنا إلى تلك الأرقام في إيطاليا، وكيف كنا نصاب بالرعب كلما سمعنا بارتفاعها مئات أخرى، وكيف نظرنا إلى تلك الأرقام كمواطنين مرعوبين يواجهون نهاية حياتهم. تذكروا كيف كنا نصعق من فكرة أن كل أولئك الضحايا لهم عائلات وأصدقاء لم يستطيعوا الاتصال بهم في لحظاتهم الأخيرة. ثم انقلوا هذا الألم وتذكروا أنه لم يكن هناك حاجة لأن تتكرر المأساة، فقد توفي الآن 10 آلاف مريض في المستشفيات البريطانية وحدهم".

التعليقات (0)