مقالات مختارة

تطبيع مجاني وغبي

محمد كريشان
1300x600
1300x600

منذ أن شرع السودان في خطواته التطبيعية مع إسرائيل في أعقاب لقاء البرهان مع نتنياهو الذي استخار فيه رب العالمين قبل الإقدام عليه (!!) ورئيس الوزراء الاسرائيلي يتفاخر بما أنجزه من خطوات تطبيعية مع كل الدول العربية، باستثناء دولتين أو ثلاث حسب زعمه، كما لم يفته أن يشير إلى طعن رمزية الخرطوم التي منها انطلقت اللاءات الثلاث في التعامل مع إسرائيل (لا صلح لا تفاوض لا اعتراف).

 

لا أحد بإمكانه أن يلوم نتنياهو على تفاخره هذا، فقد أفلح في إحداث أكثر من ثقب في جدار التطبيع المتهاوي أصلا ونجح في عقد أكثر من لقاء وفي تحقيق أكثر من اختراق، سواء زيارته إلى مسقط ولقاؤه بالسلطان الراحل قابوس أو لقاؤه الأخير بالبرهان في أوغندا مرورا بحضور عدد من الدول العربية لاجتماع المنامة الذي خصص للجانب الاقتصادي والمالي لخطة «السلام» الأمريكية، وصولا إلى حضور كل من عُمان والإمارات والبحرين «احتفالية» عرض الخطة الأمريكية في واشنطن. لا أحد بإمكانه أن يلوم نتنياهو فالرجل بصدد جمع النقاط لإعادة انتخابه مطلع الشهر المقبل وقومنا لا يدخرون جهدا في مساعدته على ذلك… ولكن مقابل ماذا تحديدا؟

 

المشكلة ليست في نتنياهو بل فينا والمشكلة ليست في التطبيع أو عدمه، رغم أهمية ووجاهة الاعتراض عليه من حيث المبدأ، بل في تقديمه في غير وقته وبدون مقابل: من حيث التوقيت ليس ما نعيشه الآن شبيها بذاك الوضع الذي أعقب توقيع اتفاق أوسلو في واشنطن عام 1993 والذي قاد مسؤولين إسرائيليين بارزين إلى زيارة أكثر من عاصمة عربية واللقاء بقادتها على غرار زيارة رئيس الوزراء شمعون بيريز إلى الدوحة فقد كان التبرير وقتها، الذي لم يكن مقنعا للجميع على أي حال، هو أن على العرب دفع مسار السلام الذي انخرط فيه الفلسطينيون وإعطاء رسالة إلى الإسرائيليين مفادها أنه كلما تقدمتم أنتم في عملية التسوية تقدمنا نحن أكثر في تطبيع العلاقات معكم. الآن، الفلسطينيون في قطيعة مع حكومة يمينية متطرفة أقدمت على ما لم يقدم عليه غيرها وأنهت عمليا بمفردها كل القضايا التي يفترض البت فيها بالتفاوض من القدس إلى الحدود إلى غيرهما… وبالتالي فلا عذر أبدا و لا سياق.


لا شيء يبرر التطبيع الحالي والمقبل سوى البحث عن المزيد من رضا الولايات المتحدة وتحديدا رئيسها ترامب الذي لم يبد رئيس قبله من العداء للفلسطينيين ما أبداه هو في ثلاث سنوات لا غير
أما من حيث المقابل فصفر، إن كان على صعيد مسار التسوية الذي تحوّل في وضح النهار إلى تصفية أو حتى على الصعيد الثنائي المنفعي البحت. أي شيء يمكن أن يحصل عليه السودان أو الإمارات أو البحرين أو يمكن أن يحصل غيرها في وقت لم يجن فيه شيئا من فعلها من قبلهم، مثل مصر والأردن أو موريتانيا عندما أقدمت قبل سنوات على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وسط استغراب الجميع. يمكن للخرطوم أن تسأل جوبا التي كانت معها في دولة واحدة ما لذي حصلت عليه دولة جنوب السودان أصلا بعد أن شجعتها إسرائيل بالسلاح وغيره على الانفصال لا أكثر و لا أقل؟!!.

 

المؤسف في الموقف العربي الحالي هو أنه لم يحسن حتى استعمال ورقة التطبيع وتوظيفها في سياق يخدمها هي كدول ويخدم مسار التسوية ككل، بمعنى أنه حتى لو أغمضنا أعيننا عن الاعتبار المبدئي والأخلاقي الذي يعارض التطبيع مع إسرائيل في كل الأحوال، فإنه لم يكن مطلوبا من الدول العربية شيئا آخر غير التمسك بمبادرة السلام العربية التي انطلقت كمشروع من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز قبل تبنيها عربيا في قمة بيروت عام 2002. وتقوم هذه المبادرة على تطبيع كامل مقابل سلام كامل، أي أن العرب ملتزمون بإقامة علاقات كاملة وطبيعية مع إسرائيل بعد انسحابها إلى حدود عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين والانسحاب من مرتفعات الجولان المحتلة وفق قرارات الشرعية الدولية.

 

وحتى إذا ابتعدنا عن هذه الصيغة التي أقرتها جميعا الدول العربية وقلنا بالتطبيع التدريجي، أي خطوة تجاه إسرائيل مع كل خطوة تخطوها هي نحو التسوية، فإن الأمر لا يستقيم أبدا لأننا نسير في الاتجاه المعاكس تماما، أي كلما ابتعدت إسرائيل من التسوية وأمعنت في تطرفها اقتربنا نحن منها أكثر وهذا منتهى الغباء وقلة المسؤولية لأنه ببساطة شديدة يشجع إسرائيل على مزيد الغلو والتعنت لأنها تزداد اقتناعا بأن العرب لا يمكن أن يقدموا على التطبيع إلا مجبرين وأذلاء ولهذا لا بد من مزيد جلدهم وفي الوقت نفسه عزل الفلسطينيين !!.

 

واضح أن لا شيء يبرر التطبيع الحالي والمقبل سوى البحث عن المزيد من رضا الولايات المتحدة وتحديدا رئيسها ترامب الذي لم يبد رئيس قبله من العداء للفلسطينيين ما أبداه هو في ثلاث سنوات لا غير، مع استخفاف وتهكم بصفاقة على أقرب الحلفاء العرب إليه… أما الشعوب ومزاجها الأصيل المعادي للتطبيع فلا أحد يقيم له وزنا ومع ذلك فسيكون هو من يبت في النهاية في هذا الأمر… بل وفي مصير من سار على نهجه أيضا.

(القدس العربي)

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الأربعاء، 19-02-2020 03:12 م
عندما يصبح التطبيع طوق النجاة؟ ،،،، # في ستينيات القرن الماضي أطلق جمال عبد الناصر مصطلح دول الطوق العربي على الدول المحيطة بفلسطين المحتلة .. وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان .. بهدف حصار المحتل الغاصب .، # وبعد 60 عاما 2020 أصبح المحتل الغاصب هو طوق النجاة لأنظمة دول الطوق العربي والبعيدة عن الطوق . نجاة من شعوبها الغاضبة .. ونجاة من ملفاتها الفاسدة .. ، # تطبيع أنظمة الحكم مع إسرائيل هو البديل الآمن لارضاء الغرب حتى يغمض عينيه عن حقوق الإنسان العربي وثرواته المهدرة ،،،، # الهرولة نحو التطبيع .. تؤكد ان حكام العرب وكلاء الغرب الاستعماري في بلادنا.. لا يملكون الا التقرب من إسرائيل الابن المدلل لدى الغرب .. لتجديد عقود الوكالة ليبقوا في مناصبهم .، # الذين يوهمون شعوبهم أن التطبيع هو البساط السحري للتنمية والنمو الاقتصادي.. كاذبون وبشهادة الواقع المصري والأردن والفلسطيني... وفاشلون لانهم لا يملكون برامج تنموية سوى علاقتهم بإسرائيل . ... لكن ... عندما تسترد الشعوب ارادتها وسيادتها سيلغي الغرب عقود الوكالة فورا .. محاولا ابرام عقود أخرى لكنها ستكون بشروط الشعوب لا الوكلاء الضعفاء . ..

خبر عاجل