ملفات وتقارير

أوامر الإبعاد تتربص بالفلسطينيين وتحرمهم من الأقصى (شاهد)

تتنوع قرارات الإبعاد ما بين تلك الصادرة عن محاكم إسرائيلية بعد عمليات الاعتقال أو الاستدعاء وقرارات الإبعاد الإدارية- جيتي
تتنوع قرارات الإبعاد ما بين تلك الصادرة عن محاكم إسرائيلية بعد عمليات الاعتقال أو الاستدعاء وقرارات الإبعاد الإدارية- جيتي

أمسك بيد طفلته وسار مع عائلته الصغيرة حتى وصلوا السور العملاق الذي يحيط بالمسجد الأقصى المبارك، توقف ونظر إلى جمال هذا المشهد وتنهد بصوت كاد يكون مسموعاً لمن حوله، وأوصى زوجته بالأطفال مجددا وتركهم ذاهبين إلى أحد أبواب المسجد بينما بقي هو ينتظرهم خارجا؛ ثم فرد سجادته الخاصة بالصلاة في مكان قريب من الباب الضخم وشرع يصلي دون تردد ولا اكتراث لعناصر شرطة الاحتلال الذين يحملقون به ويجعلون أيديهم على أسلحتهم في وضعية الاستعداد!

نظام أبو رموز واحد من عشرات الفلسطينيين الذين تطالهم سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصى؛ حيث ينتهجها الاحتلال منذ سنوات في سبيل تفريغه من المصلين كي يُترك المستوطنون لاقتحامه بأريحية، وضمن مخطط أكبر هو تقسيم المسجد والسيطرة على معظم أركانه مستقبلاً كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل.

وليست هذه المرة الأولى التي يُبعد فيها المقدسي أبو رموز عن المسجد؛ فحكايته مع الإبعاد طويلة بدأت منذ ما يقارب خمسة أعوام حين تم اعتقاله وتسليمه قرارا بالإبعاد عن المسجد لعدة أشهر، وتوالت بعدها مرات الإبعاد حتى بلغت 13 مرة خلال هذه الأعوام وحتى الآن.

ويوضح لـ "عربي 21" بأن شرطة الاحتلال سلمته قرارا بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة أربعة أشهر في التاسع عشر من شباط/ فبراير الماضي على خلفية إعادة فتح الفلسطينيين لمصلى باب الرحمة، حيث يستمر القرار حتى العشرين من حزيران/ يونيو المقبل دون تهمة واضحة ولا ذنب اقترفه.

 

اقرأ أيضا: الاحتلال يقرر إغلاقا فوريا لمصلى باب الرحمة بالمسجد الأقصى

ويضيف:" في هذا العام كنت أتمنى أن أقضي شهر رمضان في الأقصى وأن أصلي في مصلى باب الرحمة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، ولكنني الآن مبعد عنه ولا أتمكن حتى من رؤية ساحاته لتصبح هذه المرة الرابعة التي أبعد فيها عن المسجد في رمضان".

ويستذكر هذا المواطن المقدسي الذي يقطن في بلدة سلوان الحامية الجنوبية للأقصى كيف بدأت شرطة الاحتلال باستهداف رواد المسجد، حيث كانت تهاجم مشروعا سمي بمصاطب العلم -وكان أحد المشاركين فيها- والذي يجذب المصلين إليه في الأوقات التي يستغلها المستوطنون لاقتحامه في ساعات الصباح الباكر، ثم يقوم الجنود باعتقال عدد من المصلين وتسليمهم أوامر الإبعاد كي يضمنوا عدم وجودهم في الأيام التالية للوقوف أمام الاقتحامات أو حتى مجرد التواجد وقراءة القرآن في ساحات المسجد.

تطورت حكاية أبو رموز مع الاعتقال والإبعاد تحت ذرائع مختلفة أثناء تواجده في الأقصى إلى تسلّم أوامر الإبعاد وهو جالس في منزله؛ فالاحتلال شرع في إصدار أوامر إبعاد "احترازية" لعشرات الفلسطينيين قبيل بدء بعض الأعياد اليهودية والمناسبات المختلفة كي لا "يعكر صفو" احتفالات المستوطنين.

أربع سنوات مجموع المدة التي أبعد فيها أبو رموز عن المسجد الذي تربى في أركانه ولعب مع أصدقائه طفلاً تحت أشجاره حتى كبر متمسكاً بالصلاة فيه كل وقت مهما كانت مشاغله، بل أصبح يربي أطفاله على حبه كما تعلمه ويوصيهم بعدم التخلي عنه لأن الاحتلال يريد تحقيق هذا الهدف عاجلا أم آجلاً.     

ويتابع:" يسألني أطفالي لماذا لا تدخل معنا إلى المسجد فأشرح لهم ماذا يفعل الاحتلال ولماذا لا يريد أن يتمسك الفلسطينيون بمسجدهم؛ أحاول أن أزرع فيهم ما تربيت عليه كي تصبح أوامر الإبعاد بلا قيمة مستقبلاً، فالاحتلال يريد تفريغ المسجد من أبنائه ولكننا حتى لو أبعدنا فسنبقى مرابطين على أبوابه ولن نتركه لأن الأقصى عقيدة وهو بالنسبة لنا حياة ". 

ويرسل أبو رموز عبر "عربي21" رسالة المبعدين التي تدعو إلى فضح سياسة الاحتلال وهو يقوم بإبعاد أبناء المسجد عنه ويدّعي تقديم تسهيلات للصلاة فيه خلال شهر رمضان المبارك.

140 مبعدا


كما حملات الاعتقال المستمرة فإن أوامر الإبعاد لا حدّ لها، ففي الوقت الحالي يبعد الاحتلال ما يقارب 140 فلسطينيا من القدس ومدن الداخل المحتل عن مسجدهم، بينهم شخصيات دينية ووطنية وأكثر من 20 سيدة؛ ثمان منهن من مدينة أم الفحم المحتلة وحدها، بينما يصل عدد المبعدين من حراس وموظفي الأقصى إلى 25 في استهداف واضح لعملهم ومحاولة عرقلته تسهيلا للاقتحامات اليومية.

 

اقرأ أيضا: رغم انتهاكات الاحتلال.. الأقصى يفتح "ذراعيه" لاستقبال رمضان

ورغم أثر سياسة الإبعاد في تقليل تواجد المصلين داخله إلا أن المبعدين يرفضون تحقيق أمنية الاحتلال بقطع الصلة مع الأقصى؛ حيث يصطفون مصلين عند  أبوابه ويستمرون بالتواجد في أقرب نقطة إليه ويحضّرون لبرنامج ديني متكامل خلال الشهر الفضيل يتضمن صلوات الجمعة والتراويح ودروسا دينية وإفطارات جماعية خارج أسوار المسجد في رسالة واضحة للاحتلال أن الإبعاد لن يؤثر على تعلقهم به.

من جانبه يؤكد الشيخ ناجح بكيرات مدير التعليم الشرعي في الأقصى، بأنه كان من أوائل الفلسطينيين الذين أصدر بحقهم أمر بالإبعاد عنه منذ أن بدأت هذه السياسة عام 2003 في خضم انتفاضة الأقصى، حيث وصل مجموع فترات الإبعاد بحقه خمس سنوات عن المسجد بواقع 19 أمراً ما زال آخرها ساريا إلى الآن.

ويبين بكيرات في حديث لـ "عربي21" بأن الاحتلال يتعمد إبعاده عن الأقصى خلال شهر رمضان لأنه يقوم بتنظيم برنامج "مسارات مقدسية" للمعتكفين في المسجد بتعريفهم على أركانه ومصلياته والحديث عن فضل التواجد فيه، بينما بلغت أطول فترة إبعاد بحقه عامين متتاليين بسبب تجديد أمر الإبعاد فور انتهائه في كل مرة.

ويشير بكيرات إلى أن قرارات الإبعاد لها نتائج ذات ثلاثة محاور؛ الأول وهو على الصعيد الشخصي مؤلم للغاية ويحرم المبعد من برنامجه اليومي، لافتا إلى أنه يعمل في الأقصى منذ 43 عاما والآن لديه حوالي ألف طالب ويشغل مناصب عديدة ما يؤثر على الأداء حين لا يكون على رأس عمله، إضافة إلى تأثيرها على جانب العبادة والجهد المقدم لخدمة المسجد.

ويقول إن المحور الثاني على مستوى التضحيات وذلك من باب "أن أصلي في الأقصى ويتم اعتقالي وإبعادي خير لي من أن أصلي فيه دون أن أنتصر له"، معتبرا أن قرارات الإبعاد تعتبر انتصارا على مستوى الصراع الفلسطيني العربي الإسلامي مع الاحتلال لأنها تعني أن الأخير تمت مضايقته في محور الانتصار للأقصى فقام بإبعاد من انتصروا له.

ويضيف: "المحور الثالث هو التعامل المستقبلي مع قضية الإبعاد؛ هل ستخلق فراغا في المسجد الأقصى ومدينة القدس بشكل عام؟، ولكننا رأينا الجواب في الحركة المقدسية الواعية في مختلف الهبّات؛ حيث أن النزول إلى الشوارع عكس نتيجة قرارات الإبعاد التي ساهمت في الحراك الشعبي بالقدس وكوّنت وعياً في قضيته وصورة رائعة جدا في الدفاع عنه وتاريخا نضاليا يسجل بالذهب ليس للرموز والقيادات فقط بل النساء والأطفال الذين نجحوا في فتح مصلى باب الرحمة ولم يخشوا هذه القرارات، فنستطيع القول إن الوعي الفلسطيني حقق انتصارا على هذه القرارات وأثبت أنه سياسة فاشلة على مر السنوات".

وتتنوع قرارات الإبعاد ما بين تلك الصادرة عن محاكم إسرائيلية بعد عمليات الاعتقال أو الاستدعاء؛ وقرارات الإبعاد الإدارية التي تعتبر أشد خطورة لأنها تصدر عن شرطة الاحتلال فقط خلف حجج واهية دون الحاجة للرجوع إلى المحاكم ودون القدرة على الاعتراض عليها أو الاستئناف، ليبقى الفلسطيني رهينة مزاج مخابرات الاحتلال وما ترسمه من سياسات تسرّع عجلة التهويد في القدس.

 

التعليقات (0)