قضايا وآراء

زيارة وفد البحرين للكيان المحتل.. لماذا الآن وما الهدف؟

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
لا شك ان ترامب، بالتوقيع على قرار نقل السفارة الفلسطينية للقدس، جعل ظهر الفلسطينيين للحائط، وتأكد أنه لن يحك ظهر الفلسطينيين غير ظفرهم، وهذا ما أكدته المعلومات والحقائق وردود فعل الأنظمة العربية على الأرض.

وفي الوقت الذي تعلو فيه الأصوات مطالبة بضرورة مقاطعة الكيان المحتل، تأتي زيارة وفد بحريني لتصب في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعوب العربية والإسلامية، وتؤكد أن ما كان يستتر خلف الأبواب المغلقة لم يعد محلا للمواراة والإخفاء، ولم يعد هناك ثمة ما يدعو للخجل؛ حتى في أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية.

لقد أصبحت بالفعل خيارات الفلسطينيين محدودة للغاية، سواء على مستوى الشعب أو على مستوى الحركات والقيادات الحالية، حيث ضرب ترامب المسمار الأخير فيما يسمى عملية السلام، والتي أعتقد أنه من الوهم التعويل عليها، بعد أن تبين بعد 24 عاما من أوسلو أن الأمر لم يكن سوى مضيعة للوقت لصالح الكيان الصهيوني، ليحقق مآربه ويتمدد في أكبر مساحة ممكنة في الأرض المحتلة.

لقد جاءت زيارة الوفد البحريني للكيان الصهيوني وللقدس؛ لتضع العديد من علامات الاستفهام والانتقادات في آن واحد مع الأسف الشديد. فالأسئلة الحاضرة هنا: لماذا هذه الزيارة الآن، وفي هذا التوقيت تحديدا؟ وما الهدف من ورائها؟ وهل من الممكن أن تكون البحرين أخذت هذه الخطوة علنا من تلقاء نفسها؟

لماذا هذه الزيارة الآن وفي هذا التوقيت؟

من حيث التوقيت، فإن هذه الزيارة أراها تأكيدا لتصريحات وزير الإستخبارات الإسرائيلي "إسرائيل كاتس" أن إدارة ترامب توصلت إلى تفاهمات مسبقة مع عدد من الحكام العرب ليقوموا باحتواء ردة الفعل الفلسطينية، وتوفير بيئة لتمرير قرار نقل السفارة، والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، كما تأتي أيضا لتؤكد ما صرح به مسؤول أمريكي من أن هناك ارتياحا أمريكيا لردة الفعل العربية المنضبطة.. والوفد البحريني يقوم بدور الوكيل الموجه من نظم عربية لدعم هذا الاتجاه.

لقد جاءت هذه الزيارة في هذا التوقيت؛ كرد سريع ومقصود على الانتفاضة الإسلامية والعربية تجاه قرار ترامب، ولتصب في تمرير القرار وإثبات الانضباط العربي تجاه قرار ترامب، وطعنة في صدر الانتفاضة الجماهيرية، وتأكيدا لدعم البحرين، أو بالأصح داعميها الخليجيين، للكيان الصهيوني، وكذلك تأكيدا للخروج على ثوابت ومقدسات الأمة فيما يتعلق بالقدس.

فما الهدف الحقيقى من وراء هذه الزيارة؟

رغم أن البحرين ليست دولة ذات تاثير في محيطها الخليجي والعربي، وبالتالي على المستوى الدولي (حيث تتعيش البحرين على معونات خارجية تحديدا من المملكة العربية السعودية الداعم الأساسي والتاريخي لها إضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة)، إلا أن هذه الزيارة من وفد بحريني، وعلنا في ظل الزخم الحادث الآن وإحياء قضية القددس في نفوس جماهير الأمتين الإسلامية والعربية، يمثل محاولة استباقية لتفكيك أي عزلة ممكن أن تفرض عبر الشعوب تجاه الكيان المحتل.

هل من الممكن أن تكون البحرين قد أخذت هذه الخطوة علنا من تلقاء نفسها؟

بناء على ما سبق، فإن هناك نقطة هامة لا بد أن نؤكد عليها، وهي أن مملكة البحرين لا يمكن أن يقوم وفد منها بزيارة كهذه بناء على إرادة بحرينية مطلقة، ولكن أرى أن البحرين بادرت بهذه الزيارة برعاية ودفع من الداعمين الأساسين لها (السعودية والإمارات وآخرين)، وذلك تأكيدا على الانفتاح المطلق على الكيان الصهيوني، واستمرار نظم حكم عربية في طريق التطبيع، بل التحالف والاعتراف الكامل به، ولو كان ذلك على حساب الثوابت الإستراتيجية والتاريخية والدينية، وهذا أراه يمثل قصورا في الرؤية، وخطأ استراتيجيا فادحا سوف تدفع الأمة العربية والإسلامية ثمنه غاليا؛ ما لم تتمسك الشعوب بثوابتها، وتستجيب النظم وتعدل عن أخطائها الاستراتيجية الفادحة.

إن حالة بعض النظم العربية في المرحلة الحالية أراها تجسيدا على الأرض لمقولة هنري كاسينجر "في حديثه لمجلة "الإيكونوميست" اللندنية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، عندما أعلن أن "الاعتراف بالدولة الإسرائيلية من جانب منظمة التحرير والدول العربية؛ لن يكون إلا بداية عملية تعديلا وتنظيما للأوضاع الإقليمية تبعا للإرادة الإسرائيلية". بل ولا يتردد في أن يضيف بصفاقة منقطعة النظير: "إن الخطر الحقيقي في هذه المنطقة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادة الإسرائيلية".

ما قبل قيام الكيان الإسرائيلي كانت الحركة الصهيونية تقيم علاقات مع بعض الدول العربية، بل زارت جولدمائير دولا عربية قبل أن تصبح رئيسة لوزراء الكيان المحتل، ناهيك عن أن نتنياهو ما فتئ يؤكد على أن هناك تنسيقا أمنيا منذ سنوات طويلة مع عدد من الدول العربية الكبرى في المنطقة.

إن علاقة عدد من النظم العربية بالكيان الصهيوني تتجاوز ما هو أبعد بكثير من مسألة التنسيق الأمني؛ إلى ما يتعلق بوجودها، فبقاء العديد من الأنظمة العربية واستمرارها في الوجود مرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية وبالقضايا الأمنية الإسرائيلية. لذلك، فمثل هذه الأنظمة إذا وُضعت القضايا العربية والإسلامية في الميزان مع قضايا الأنظمة، فإن هذه الأنظمة ستُغلب مصلحتها على مصلحة الأمة والشعوب العربية والإسلامية.

مما لا شك فيه أن زيارة الوفد البحريني للكيان المحتل وللقدس، في هذا التوقيت جاءت، بعيدة كل البعد عن إدارك المخاطر والدلالات لقرار ترامب، وضربت عرض الحائط بالمواقف المطلوبة تجاه هذا القرار، والأهم انها قفزت على ثوابت الأمة ومقدساتها، مما يدلل على حال الغيبوبة الاستراتيجية التي تعيشها نظم عربية في أكثر لحظات الأمة حساسية، ليصبح الرهان على النظم رهانا خاسرا. ولكن على الشعوب أن تستمر في أخذ زمام المبادرة، وعلى الفلسطينيين ألا يعولوا سوى على الله ثم على أنفسهم.
التعليقات (0)